رقابة الحكم الملكي منعت عرض ”الزعيم” وثورة يوليو أخرجته للنور..وفيلم ”الله معنا” أغضب الضباط الأحرار وأجازه عبدالناصر بعد 3 سنوات..محطات في حياة أحمد بدرخان

الموجز

يعتبر المخرج أحمد بدرخان واحد من رواد السينما المصرية، فهو تميز بالأسلوب الرومانسي، وهو الذي أقنع طلعت حرب بإنشاء استديو مصر.

ولد أحمد علي شاكر بدرخان في 18 أكتوبر عام 1909 في حي القلعة بالقاهرة، وحصل على شهادتي الإعدادية والثانوية من مدرسة "الفرير"، وبدأ حبه للسينما وهو في الثانية عشر من عمره، حيث كان يذهب كثيرا إلى دار سينما "الكوزمو" بشارع عماد الدين بالإضافة إلى أنه كان يذهب كثيرا إلى مسرح رمسيس لمشاهدة المسرحيات، والتحق بالجامعة الأمريكية وانضم إلى فريق التمثيل، وكان الفنان الكبير "جورج ابيض" هو الذي تولى تدريبه.

قام "أحمد بدرخان" بتكوين فريق تمثيل بنفسه وبالفعل تم انطلاقه، وكان يسمى بـ "الطليعة"، وقدم بعض المسرحيات على مسرح رمسيس.

وكتب أحمد بدرخان، في "كتاب السينما" الصادر عام 1936، قبل خوض أولى تجاربه الإخراجية: "الفيلم المصري لن تقوم له قائمة، إلا إذا عبر عن الروح المصرية الصميمة التي تختلف اختلافاً بيّناً عن الروح الأمريكية أو الفرنسية أو الألمانية، أعني الأجنبية بوجه الإطلاق..وقد لوحظ أن الأجانب الذين يعهد إليهم بإخراج أفلام مصرية يشوهون هذه الأفلام، فتظهر معدومة من الصبغة المحلية لا لون لها ولا جنسية".

اشتهر أحمد بدرخان بتكوين ثنائيات سينمائية مع عدد من أهم مطربي العالم العربي، وعلى رأسهم أم كلثوم التي جمعت بينهما الأقدار منذ البداية، فقد كان من المقرر أن يصبح "وداد"، أول أفلامه الروائية الطويلة وأولى بطولاتها المطلقة في السينما، لكن الظروف حالت دون إسناد المهمة له، فقررت كوكب الشرق أن تعيد له اعتباره ومنحته فرصة إخراج فيلمها الثاني "منيت شبابي" ليكون بدايته الحقيقية.

وتعاون معها في 4 أفلام، استطاع بدرخان من خلالهم أن يقدم أم كلثوم بصور مختلفة، محاولاً تحقيق نوع من التوازن بين موهبتها الغنائية الطاغية وقدراتها التمثيلية الأقل جودة، ويعتبر فيلم "عايدة" أكثر أفلامهما جرأة من حيث الشكل والمضمون، بالرغم من فشله الذريع وقت عرضه، ففي هذا الفيلم، تتخلى أم كلثوم عن تحفظها الذي سيطر على أفلامها الأولى، فنراها فتاة جميلة مقبلة على الحياة، تغني وتتمايل مع صديقاتها في معهد الموسيقى، وتشدو مع حبيبها على عربة حنطور عن حرية الاختيار والاستقلالية، كما وظف بدرخان أغاني الفيلم ضمن سياق درامي واضح دون إقحام، وعمل على تقديم أوبريت ضخم ذي لمحة تجريبية يجمع بينها وبين المطرب إبراهيم حمودة.

كان أحمد بدرخان كاتباً يحرر قسم السينما في مجلة "الصباح"، وشاعراً ينظم أغاني أفلامه، ومنظراً سينمائياً يعرف أساسيات الصناعة، وقدم بدرخان عام 1941 فيلم "انتصار الشباب" الذي يعتبره كثيرون نقلة كبيرة في الأفلام الغنائية، نظراً لنجاحه الكبير في شباك التذاكر.

وكانت هذه هي المرة الأولى لفريد الأطرش وشقيقته أسمهان على الشاشة الفضية، ليقدما معاً حكاية قريبة من قصتهما الحقيقية، حيث ظهرا كشقيقان يهبطان على مصر، بحثاً عن الرزق والشهرة، ولكن يواجهان الكثير من المتاعب ويختبران مشاعر الحب والظلم والمعاناة حتى يصلا إلى مرادهما في نهاية المطاف.

تضمن الفيلم 13 أغنية مقدمة في قوالب فنية مختلفة، تتلاحم مع النسيج الدرامي، بل وتصرف الانتباه عن كم المصادفات والأحداث السريعة غير المبررة، ويحسب لبدرخان تقديم لمسة كوميدية واستعراضية من خلال الثلاثي المضحك "جوز ولوز وبندق"، الذين يعتبرون صورة مشابهة لما سيعرف فيما بعد بفرقة ثلاثي أضواء المسرح، وقد كان هذا الفيلم نقطة الانطلاق لمجموعة من الأفلام اللاحقة بين بدرخان والأطرش، غلب عليها الطابع الكوميدي، وطغت عليها الأغاني والاستعراضات المتميزة مثل "آخر كدبة، ولحن حبي، وإزاي أنساك".

ومع اكتساب ثقل في هذا النوع الفيلمي، تمكن بدرخان من اكتشاف مطربين يتمتعون بموهبة تمثيلية عالية، دون أن يرتبط ظهورهم على الشاشة في كل مرة بوجود أغنية، مثل المغني والموسيقي محمد فوزي، الذي منحه دوراً مؤثراً في أحداث فيلم "قبلة في لبنان"، حيث جسد شخصية رجل ينجذب إلى امرأة جميلة في لبنان، وينسجمان معاً، لكنها تهرب منه وتعود إلى مصر، وبعدما يعثر عليها يكتشف أنها أخفت زواجها عنه.

بعد نجاح التجربة، قرر بدرخان أن يستثمر نجاح فوزي في فيلمين آخرين هما مجد ودموع، وقبلني يا أبي"، وكانت بطلتهما أمامه نور الهدى، ليكونا ثنائياً جذاباً وممتعاً على الشاشة.

بالرغم من ميل بدرخان إلى تقديم الأفلام الغنائية والاستعراضية، فإنه لم ينعزل عما يحدث على أرض الواقع، فبعد سنوات عايش خلالها الحربين العالميتين تحت حكم استعماري، رغب في أن يصنع أعمالاً ذات طابع سياسي، تعكس مواقفه وآراءه الخاصة دون النظر لأي اعتبارات أخرى، وفكر في صناعة فيلم يمجد مسيرة الزعيم مصطفى كامل، الذي ترك أثراً كبيراً في نفوس جيل بدرخان، وأمام خذلان المنتجين الذين لم يتحمسوا لمشروع سينمائي لا يمتلك مقومات النجاح التقليدية، قرر أن ينتجه على نفقته الخاصة، مُصراً على إنجازه، لكن رقابة الحكم الملكي منعت عرضه، ولم يخرج للنور إلا بعد قيام ثورة يوليو عام 1952.

ومع أن الثورة أنقذت حلمه الأول، فيلم "الزعيم"، فإنها عطلت حلمه الثاني الذي حمل اسم "الله معنا"، ويحكى الفيلم قصة الأسلحة الفاسدة في حرب فلسطين، وصولاً إلى استيلاء تنظيم الضباط الأحرار على الحكم، وقد تم منعه من العرض لمدة 3 سنوات، خوفاً من تعاطف الجمهور مع الملك فاروق، إلى جانب الاعتراض على تعظيم دور اللواء محمد نجيب في الثورة، حتى شاهده الرئيس عبد الناصر، وصرح بعرضه عام 1955.

في النهاية، عاد المخرج إلى نوعه السينمائي المفضل، واستمر في عمله حتى رحل قبل مشاهدة فيلمه الأخير "نادية" عام 1969، تاركا خلفه بصمات فنيه خلدت ذكراه في تاريخ السينما العربية.

تم نسخ الرابط