أسرار وحكايات ” نفيسة العلم” باعثة السكينة والهدوء فى نفوس المصريين
نفيسة العلوم، لقب إذا ما تردد فى مكان ما هبطت معه الرحمات، من رب السموات، لتنشر السكينة فى قلوب سكان الأرض، وتذيع المحبة بين الجميع فى الشوارع والأزقة، اشتهرت السيدة نفسية بمجلسها العلمى الدينى منذ أن وطأت بقدمها مصر، ولا تزال هذه الأجواء تحيط بكل من قصد مسجدها بالقاهرة، حيث يحتوى المسجد على جو إسلامى هادئ، فيما تحاصر السكينة والهدوء أرجاء المسجد، وهو ما يجعل قاصدى الهدوء والاستقرار يجدونه منذ الوهلة الأولى لدخول المسجد .. "الموجز"، تعرض خلال السطور التالية، نبذة فى سيرة السيدة نفيسة هي بنت الحسن الأنور بن زيد الأبلج بن الإمام الحسن بن الإمام علي بن أبي طالب، بنت السيدة زينب بنت الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين.
والد السيدة نفسية، صاحبة لقب "نفسية العلوم"، هو السيد حسن الأنور يسمى شيخ الشيوخ، وكان والياً على المدينة المنورة من قبل أبى جعفر المنصور، كما أنه كان إمامًا جليلًا ومن كبار آل البيت.
وتشير المخطوطات التاريخية، إلى أن السيدة نفيسة ولدت في مكة المكرمة في الحادى عشر من ربيع الأول سنة 145 هجرية، بالمدينة المنورة، وبالطبع كانت نشأتها مختلفة عن بنات جيلها حيث إنها إحدى أطهار أهل البيت، فكانت تذهب إلى مسجد جدها، تحفظ القرآن الكريم، وتتلقى علوم الإسلام من العلماء، حتى أنها تفوقت وبرعت وكان نبوغها وراء اللقب الذى التصق بها "نفيسة العلوم" .
وتكشف المخطوطات التاريخية، أنه عندما ترك والدها الإمام الحسن الأنور، ولاية المدينة، خلفه فيها زوج السيدة نفسية، وهو ابن عمها إسحاق المؤتمن بن الإمام جعفر الصادق بن الإمام محمد الباقر بن الإمام علي زين العابدين بن سيدنا الإمام الحسين بن الإمام علي بن أبي طالب أمير المؤمنين، والذى أنجب منها طفلين "الـقاسم" "وأم كلثوم".
وتشير الأحداث التاريخية، إلى أن السيدة نفيسة، وهبت نفسها للعلم والإيمان، فمن أشهر شيوخها الذين تلقت العلوم على أياديهم إمام دار الهجرة الإمام مالك رضي الله عنها فقرأت عليه الموطأ ونهلت من علمه.
وزارت السيدة نفيسة مصر في السادس والعشرين من شهر رمضان سنة 193 هجرية، مع زوجها وأولادها وأبوها خلال زيارة من كان في مصر من آل البيت الأطهار، وخرج أهل مصر عند العريش لاستقبالها بحفاوة، ونزلوا فى دار كبير التجار وقتها جمال الدين عبد الله الجصاص، ثم انتقلت بعدها إلى القاهرة وأقامت لدى سيدة من المصريين تُدعى أم هانئ وكانت دارًا رحيبة ومحط لطلاب العلم، وكان الناس لا يتركون لها مجلس علم، وكانوا يلتمسون منها الدعاء الطيب، وهو ما شغلها عن عبادتها وأذكارها، فقررت العودة إلى مدينتها، ومغادرة مصر والمصريين، لتتفرغ للعبادة، فخرجت إلى الناس، وأخبرتهم قائلة : كنت قد اعتزمت المقام عندكم، غير أني امرأة ضعيفة، وقد تكاثر حولي الناس فشغلوني عن أورادي، وجمْع زاد معادي، وقد زاد حنيني إلى روضة جدي المصطفى، فأثارت هذه الكلمات حالة من الفزع لدى الناس وجلسوا يفكرون فى إقناعها بالبقاء وعدم الرحيل، واستعانوا بالوالي السَّرِيّ بن الحكم، الذى وعدها بقوله : يا ابنة رسول الله، إني كفيل بإزالة ما تشكين منه، ووهبها دارًا واسعة، ثم حدَّد يومين فى الأسبوع، لزيارة الناس لها طلبًا للعلم والنصيحة، فاستجابت ومكثت فى مصر.
وكان الإمام الشافعي رضي الله عنه حريصًا على حضور مجالس السيدة نفيسة العلوم، وكلما مرض أرسِلُ لها رسولاً من عندِه، يقول لها : إن ابن عمّك الشافعي مَرِيض، ويسألُك الدّعاء فتَدعو له، فيقوم الشافعى من مرضه، إلى أن مرض الشافعيُّ مرضَه الذى رحل به، أرسلَ رسولَه إلى السيدة نفيسة، يسألها الدعاءَ، فقالت لرسولهِ : متّعَه الله بالنظَر إلى وجهِه الكريم.
وتشير المخطوطات إلى أن السيدة نفيسة أدت فريضة الحج 30 مرة، وأكثرها وهي تمشي على أقدامها، كما أنه عندما اقترب موعد انتقالها إلى الرفيق الأعلى قامت بحفر قبرها في صحن دارها بيدها، وكانت تنزل فيه وتصلى كثيرًا، كما قرأت فيه المصحف 190 وهي تبكي بكاءً شديدًا.
وعندما اشتد عليها المرض في شهر رجب عام 208هـ، حتى أول أيام شهر رمضان، فجاءوا لها بطبيب أمرها بالإفطار، فتعجبت قائلة : "وا عجباه .. أسأل الله أن يتوفاني وأنا صائمة خلال ثلاثين سنة .. أفأفطر؟!"، وبينما كانت تتلو سورة الأنعام، حتّى إذا بلغت قوله تعالى: {لَهُمْ دَارُ السَّلاَمِ عِندَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} صعدت الروح إلى خالقها، وبعد وفاتها رضي الله عنها وأرضاها، قرر زوجها إسحاق بن الإمام جعفر الصادق، أن يعود بها إلى المدينة ليدفنها، فطالبه أهل مصر، بإبقائها عندهم، إلا أنه رفض حتى جاءه النبى –صلى الله عليه وسلم-، فى رؤياه وقال له: "يا إسحق لا تعارض أهل مصر في نفيسة، فإنّ الرحمة تنزل عليهم ببركتها"، فدُفنت السيدة نفيسة في مسجدها الشهير في المكان الذي كان يعرف بـ "درب السباع" في بيتها وفي القبر الذي حفرته بأيديها وختمت فيه القرآن أكثر من 190 مرة .