أحاط نفسه بالعذارى.. حكايات العقيد القذافي مع «المدّلكة» اليوغسلافية
على مدار حكمه لليبيا، أثار العقيد معمّر القذافي كثيراً من علامات الاستفهام، بسبب قراراته التي رآها كثيرون غير محسوبة، وتصادمية، وقد لا ترتبط بمنطق الأحداث، وهذا ما جعل عدداً من الباحثين يسعون إلى دراسة شخصيته وتحليل جوانبها المختلفة.
أحد هؤلاء الباحثين هي الكاتبة الأمريكية موريال ميراك فايسباخ، التي رصدت معالم شخصية حاكم ليبيا السابق في كتابها «مهووسون في السلطة.. تحليل نفسي لزعماء استهدفتهم ثورات 2011»، والتي أشارت إلى أن من أهم معالم شخصية "القذافي" تبنيه على مر السنين عدداً من الألقاب التي تشير إلي كيفية رؤيته لذاته العظيمة، بدأ بمجرد لقب «قائد الثورة الليبية» ثم «الأخ معمّر»، ليتخذ لنفسه لاحقاً موقع «ملك ملوك شمال إفريقيا»، و«عميد الملوك والرؤساء العرب».
وفي عام 1991 انتحل لنفسه في مواجهة حركة التكفير والهجرة سلطة «إمام المسلمين معمّر القذافي»، و«زعيم القيادة الشعبية الإسلامية العالمية» ليصدر فتوى تعلن كُفر الجماعة.
والمفارقة أن «القذافي» أعلن خلال الثورة عليه في 2011 أنه لا يحمل أية ألقاب على الإطلاق، وهو في الواقع لا يستطيع الاستقالة من منصبه بما أنه لا يتولى أي منصب، فالشعب وليس هو من يملك السلطة.
مزايا استثنائية
أظهرت هذه الألقاب الرسمية، والمناصب الفخرية المزعومة حب الذات المفرط، بل إن «القذافي» كان في قرارة نفسه مقتنعا بحب الآخرين له، فتحدث عبر شاشة التلفزيون إثر غارة شنتها الولايات المتحدة على ليبيا عام 1986، وزعم أن الأمريكيين يحبونه رغم محاولات واشنطن القضاء عليه، بل إنه تباهى في مناسبة أخرى بتلقيه رسائل كثيرة من أمريكيات معجبات بجماله، وقال شارحاً إنهن «غالباً ما يقلن أنهن يحببن شَعري».
وأوضحت الباحثة أن شخصية على هذه الدرجة من الاقتناع بمزاياها الاستثنائية ستسعى للتباهي بنفسها في شكل من أشكال المجاهرة، وهنا يبرز لُباس «القذافي» المسرف الذي يتكون من ألوان صارخة، ويذكر زواره أنه غالباً ما يغير ملابسه عدة مرات في اليوم.
خيمة وناقتان
مثل هذا الشخص المغرور يطلب معاملة خاصة من الآخرين ويتيقن تمام التيقن من حصوله عليها، فقد كان «القذافي» يصر عند سفره إلى الخارج في زيارات رسمية على الإقامة مع حاشيته الكبيرة في خيمته البدوية هائلة الحجم، ويجلب معه ناقتين تُشحنان جواً لتزويده يومياً بالحليب الطازج.
وتضم حاشيته حارساته الشخصيات الشهيرات ويصل عددهن إلى 40، ويُقال أن جميعهن كن عذارى، إضافة إلى ممرضته الأوكرانية غالينا كولوتنيزكا، وكانت له مدلكة من يوغسلافيا، إضافة إلى امرأة ثالثة من ألمانيا الشرقية.
وذكرت الباحثة أن «القذافي» عمد في كل مرة يزور فيها صديقه رئيس الوزراء الإيطالي سيلفيو برلوسكوني في روما إلى التأكد من وجود نحو مائة فتاة في متناول اليد تتراوح أعمارهن بين 18 و35 عاماً، وجميعهن بطول 1.7 متر وما فوق.
وما إن تصل الفتيات حتى يشرع «القذافي» في المحاضرة عن القرآن الكريم، وهناك في المقابل تقارير تشير إلى ما هو أكثر بعض الشيء من علاقات أفلاطونية مع النساء تراوح بين المغازلة والتمهيدات الصريحة للجنس.
النرجسية الخبيثة
جمع «القذافي» على غرار الديكتاتوريين الكثيرين غيره بين سمات النرجسية وجنون العظمة المفرط، وبحسب الباحثة، فإنه في هذه الحال تتطور «النرجسية الخبيثة» وتتميز بنمط التفكير في الأبيض والأسود ضمن فئات الصديق/العدو، فيعامل الأعداء بالحد الأقصى من الازدراء ويتعرضون للقمع الوحشي، ومن ثم شكلت جماعات المعارضة له ركائز للعدو ووصفهم بأبشع الألفاظ مثل «أبناء الزنى» و«الجرزان» و«قطاع الطرق» و«الخونة».
ولم يغذّ «القذافي» وهمه الدائم بأنه يتمتع بالحصانة ضد هجمات الأعداء الكثُر في الداخل وفي الخارج وحسب، بل أيضاً بأنه سيصبح في النهاية في موقع يحدد فيه مسار الأحداث التاريخية.
وقضى منطقه بأنه وبوصفه «القذافي» وبما هو عليه يملك الحق والسلطة في إصدار أوامر يجب أن تُنفذ، وهذه حالة نموذجية لتوهم النرجسي بأنه أشبه بإله، ومن حقه بالتالي تحديد من يجب أن يعيش ومن يجب أن يموت.
في هذا السياق ذُكر أنه طلب في 1982 من سكرتير السفارة الليبية في لندن عزيز الشارب اغتيال عاهل الأردن الملك حسين عبر استهداف طائرته بصاروخ أرض – جو، ووضع كذلك خططاً لاغتيال السفير الأمريكي بالقاهرة هرمان إيلتس، ولم ينتج شيء من هذه التهديدات والمؤامرات لكنها تصوّر حالته الذهنية تصويراً مناسباً.
إسرائيل والسودان
يؤدي المال في هذا السياق دوراً خاصاً، لأن كلفة مثل هذه المآثر والتوجهات النفسية كبيرة، وغالباً ما يظن النرجسي أن المال يستطيع شراء كل شيء، فعندما عرف القذافي أن إسرائيل تمتلك قدرة نووية يفتقر إليها العرب، قرر أن على ليبيا الحصول على هذه المقدرة.
ونما إلى علمه أن الصينيين مستعدون لبيع قنابل ذرية، فتواصل معهم عبر مساعده عبدالسلام جلود، إلا أن رئيس الوزراء الصيني شو إن لاي أخبره أن بلاده لا تعمل في مجال تزويد الأسلحة الذرية، وانتهت المسألة عند هذا الحد.
وفي الإطار نفسه عرض القذافي 3 مليار دولار على السودان لتقطع علاقاتها بالولايات المتحدة، وتعهد بـ5 مليارات دولار إلى مصر إذا مزقت اتفاقية كامب ديفيد.
وتميل الشخصيات النرجسية إلى الكذب بما يخدم تعظيم الذات، وذلك انطلاقاً من «أنني إذا قلت ذلك فهذا يعني أنه صحيح»، وعندما ووجه «القذافي» بالتجميد الدولي لأرصدته في البنوك الأجنبية والمؤسسات قال «لا مال لي في الخارج.. ليس لديكم أثر لأي دليل».
وبينما كانت الاحتجاجات ضده تتزايد، خرج ليؤكد في تصريحات لوسائل الإعلام الأجنبية أن البلاد تحت السيطرة والمشكلة الوحيدة هي العصابات التي يسيطر عليها تنظيم القاعدة، وذهب إلى أبعد من ذلك بقوله «ليبيا هادئة تماماً.. لا تظاهرات في أي من الشوارع.. ما من أحد ضدنا.. إنهم يحبونني.. شعبي كله معي.. شعبي سيموت في سبيل حمايتي». وجاء مقتله على يد أبناء وطنه ليثبت كذب هذه التصريحات.