غيرة أم صراع على لقب سيدة مصر الأولى..قصة دار أيتام أم كلثوم ”الحلم الأخير” الذي لم يتحقق بسبب جيهان السادات
تتغير الأذواق بمرور الأيام والسنوات، حيث تظهر أنماط وأشكال غنائية كثيرة وجديدة تواكب العصر، إلا أن الجميع لازال يعترف بأن صوت كوكب الشرق "أم كلثوم" يصلح لجميع الأوقات ولكل الأجيال، فرغم رحيلها عام 1975 لا يزال صوتها يملأ الدنيا، وكلمات أغنياتها يرددها الجميع.
حققت أم كلثوم نجاحات كبيرة في عالم الفن وكان لها دور وطني عظيم، ولكنها فشلت فى تحقيق حلم بسيط، وهو إقامة دار خيرية أو جمعية خيرية للفتيات المعوزات، واستغرب البعض عدم قدرتها على ذلم الأمر، مؤكدين أن هناك قوة جبارة خارقة ذات سلطة لا ترد منعت هذا المشروع، الذي كان بمثابة الحلم الأخير لأم كلثوم، صحيح أن جمعية أم كلثوم الخيرية رأت النور بعد وفاة أم كلثوم بأكثر من ربع قرن، ولكنها لم تكن على قدر الحلم والأموال التى دفعتها أم كلثوم لترى حلمها الأخير حقيقة.
كل من عاصروا حلم أم كلثوم بإنشاء دار الأيتام يؤكدون أن كلمة السر وراء فشل إقامة المشروع هى السيدة جيهان السادات زوجة الرئيس الراحل أنور السادات، فمشروع أم كلثوم اصطدم برغبة جيهان بإقامة مشروع خيرى آخر هو جمعية الوفاء والأمل، ولم تشأ جيهان أن ينافس مشروعها مشروع أم كلثوم لما لها من حب وتقدير من قبل الجميع، ولكن هناك رواية أخرى عن نشوب الخلاف بين كوكب الشرق وجيهان السادات، وقد وقعت القصة فى منزل المهندس سيد مرعى رئيس مجلس الشعب ونسيب أنور السادات، فقد وجه مرعى الدعوة على عشاء لكل من الرئيس السادات وزوجته جيهان وأم كلثوم وعدد آخر من الأصدقاء، وصلت أم كلثوم متأخرة وعندما قامت بالسلام على السادات نادته باللقب المعتاد "أبو الأناور" فغضبت جيهان وقالت لأم كلثوم "ازاى تقوليله كده اسمه الرئيس"، فغضبت أم كلثوم وأصرت على المغادرة لولا رجاء مرعى والأصدقاء لها بالبقاء وترضيتهم لها، المثير أن السادات نفسه لم يتدخل، ولم ينحز للطرفين، ولكن الجميع اعتبروا صمته تأييدا لموقف زوجته، وهكذا أرادت جيهان الانتقام من أم كلثوم.
وحلل آخرون الوضع بشكل آخر، وأن كان هناك سبب لحتمية الصدام بين ثومة وجيهان، بعيدا عن واقعتى حرب الجمعيات الخيرية أو لقب أبو الأناور، فأيام جمال عبد الناصر لم تسع زوجته إلى أى دور اجتماعى أو سياسى، وظلت زوجة وأمًا فقط، وكانت أم كلثوم هى السيدة الأولى لمصر وللوطن العربى كله، وعلى عكس زوجة عبد الناصر كانت جيهان التي تروى أن عرافة قرأت لها الكف فى سنوات زواجها الأولى من السادات، فقالت لها العرافة أنتى سوف تصبحي ملكة مصر، داعبت هى النبوءة شخصيتها القوية وميلها للعمل العام وأن تصبح سيدة مصر الأولى، وذلك على الرغم من عدم وجود أى سند أو دور دستورى أو قانونى للسيدة الأولى، ولذلك كان من الطبيعى أن ترفض جيهان المكانة الرفيعة لأم كلثوم أو تعترف لها بموقع السيدة الأولى، ولهذا كان الصدام بينهما حتميًا، وتبلورت معركة استعراض القوى فى المشروع الخيرى لأم كلثوم.
وفي كتاب "أم كلثوم التى لا يعرفها أحد" روى الكاتب الراحل محمود عوض القصة الكاملة لدار أم كلثوم، فقد قامت أم كلثوم بدعوة عدد من الأصدقاء والخبراء فى فيلتها، وعرضت فكرة إنشاء دار للفتيات اليتيمات، وكانت الفكرة أن تتبرع أم كلثوم بإقامة مقر للجمعية وتشرع فى إنشاء الجمعية، ثم يفتح بعد ذلك باب التبرع للمواطنين، وكان من بين الحضور محافظ القاهرة فى ذلك الوقت حمدى عاشور، ورجل أعمال شهير، واعترض الأخير على بساطة الفكرة، رافضا فكرة تبرع أم كلثوم المالى، وعرض عليها إطلاق حملة تسويق للمشروع، والاعتماد على ما يشبه اليانصيب، وطلب تبرع من الأثرياء والحكام العرب، ولكن الفكرة لم ترق لأم كلثوم وبدت بعيدة عن شخصيتها.
واستمرت فى تنفيذ الفكرة الأولى، وتأخر تنفيذ المشروع كثيرا، فذهبت أم كلثوم لزيارة محافظ القاهرة حمدى عاشور، وسألته عن سبب التأخير، فرد المحافظ أن تبرعات المواطنين لا تكفى لإقامة الدار، فما كان من كوكب الشرق إلا أخرجت دفتر شيكاتها، وتبرعت للمشروع بـ20 ألف جنيه من مالها الخاص، وكان مبلغ الـ20 ألف جنيه مهولاً فى ذلك الوقت، ويكفى لإقامة الدار ويزيد، وعلى الرغم من ذلك لم يتحرك المشروع، ولم ير النور، فى نفس الوقت كان مشروع جيهان السادات الوفاء والأمل يسير بسرعة الصاروخ، وتعثر مشروع دار أم كلثوم حتى وفاتها التي أحزنت المصريين والعرب.