رحلة سامية جمال إلى العالمية وسر عودتها للفن بعد الـ60 وتشييع جثمانها من سلم الخدم
بملامحها الشرقية وخفة ظلها استطاعت الفنانة سامية جمال العبور إلى قلب الجمهور، وكل الذين عاصروا هذه الفنانة واقتربوا منها أكدوا أنها كانت مصدراً للبهجة والحزن معاً، إذ كان الحزن يطل من عينيها دائماً، ربما لأن بدايتها كانت صعبة أو لأن الحب جلب لها التعاسة، وصفها الكثير من النقاد بـ"الممثلة الشاملة"، حيث بدأت بالرقص الشرقي وانطلقت إلى عالم السينما والتلفزيون ووقفت أمام عمالقة التمثيل في مصر مثل زكي رستم ورشدي أباظة ومحمود المليجي، وتركت بصمة واضحة لا يستطيع أحد تجاهلها أو التقليل منها، وموهبتها جعلتها تشارك في العديد من الأفلام العالمية.
ولدت زينب خليل إبراهيم محفوظ في 5 مارس 1924 بمحافظة بني سويف جنوب القاهرة، ورحلت والدتها وهي في الـ8 من عمرها، وتزوج الأب بعد رحيل والدتها ووقع اختياره على سيدة قاسية القلب فعاملت الطفلة الصغيرة بسوء وحولتها إلى خادمة لها، لذا فكرت في الهروب من المنزل.
وعندما وصلت إلى سن 16 عام سافرت إلى القاهرة، وكانت تعشق الرقص وتتمنى أن تعمل في فرقة كبيرة، لذا اتجهت إلى فرقة بديعة مصابني والتي أعجبت بها وبحركاتها التي تشبه الفراشة، وسمحت لها أن تقدم فقرة منفصلة وخاصة بها وهي في سن 19 عام.
وبعد تألقها على مسرح بديعة مصابني عرفها منتجو السينما، وفي عام 1943 تمت الاستعانة بها في عدد من الأفلام الاستعراضية، وذاعت شهرتها لأنها لم تقلد أحدًا ومزجت بين الرقص الشرقي والغربي، وبعد عدد من التجارب بدأت تخطو نحو عالم التمثيل بشكل جاد، وقدمت مع الفنان الكبير فريد الأطرش عددا من الأفلام المهمة مثل "عفريتة هانم" و"حبيب العمر".
وكونت مع الأطرش ثنائي فني ناجح، ووقعت في حبه إلا أنه لم يتحمس للزواج منها ودفعها الحفاظ على كرامتها إلى الابتعاد عنه والزواج من رجل أمريكي اسمه "شيبرد كينج" بعدما أشهر إسلامه من أجلها، ثم اكتشفت أنه يستغلها مادياً وأن مشاعره زائفة فانفصلت عنه.
وبعد قصة زواجها الأولى قررت التفرغ لفنها فقط، لكنها لم تصمد كثيراً خاصة بعدما التقت بالفنان الكبير رشدي أباظة في فيلم "الرجل الثاني" ونشأت بينهما علاقة حب قوية، ووعدها ساحر النساء في ذلك الوقت أن تكون عالمه الخاص، وبالفعل عاشت معه 18 عاماً من السعادة، ثم تزوج أباظة من صباح في بيروت، وفوجئت سامية بالخبر منشورا في الصحف والمجلات فقررت الانفصال.
قالت سامية جمال خلال لقاء لها إن حب عمرها هو الفنان فريد الأطرش، رغم اعتقاد الكثيرين أن حب عمرها هو الفنان رشدي أباظة، وأضافت أن حالة الحب بينها وبين فريد الأطرش كانت واضحة لكل من عرفهما.
كانت تتمنى الزواج أيضًا فى بداية حياتها من الملك فاروق حيث أصبحت راقصة القصر في هذا الوقت، وذلك عندما شاهدها الملك فاروق في أحد المحلات مع فريد الأطرش وأعجب بها وأطلق عليها اسم راقصة مصر الرسمية في هذا الوقت ولكن زواج الملك فاروق من الملكة ناريمان بدد حلمها.
وقررت "فراشة السينما" أن تعود إلى الأضواء وأن تثبت للجميع أنها قوية وذلك بعدما أقنعها سمير صبري بالعودة للرقص واتبعت نظاماً غذائياً قاسياً لتقليل وزنها.
وفى حوار تحدث الفنان الكبير سمير صبري عن تفاصيل هذه العودة وكيف اقنع الفراشة بالمشاركة فى فرقته الاستعراضية بعدما وصلت لسن ال60، قائلا: «علاقتى بسامية جمال بدأت منذ كنت أزور رشدى أباظة خلال فترة زواجهما، وكانت زوجة جميلة وطيبة وراقية، ظلت 18 عاما تقول أنا مدام رشدى أباظة، وبعد طلاقها منه ووفاته غرقت شقتها بسبب انفجار ماسورة مياه، وكانت حالتها المادية متعثرة، خاصة أنها كانت متكفلة بشقيقتها وأبناء شقيقتها الخمسة، فخطر لى خاطر بإعادتها للرقص من خلال فرقتى الاستعراضية".
وتابع: «قالت لى إزاى أرجع أرقص تانى هيقولوا ست كبيرة وبترقص، فقلت لها انتى زى الفراشة وممكن تلبسى توب وتطلعى ترقصى ربع ساعة لوحدك، وأنا أطلع أغنى وبعدين تغيرى، ثم أغنى لفريد الأطرش وترقصى معى، وإذا شعرتى بأى تعب شاوريلى بعينك هاقفل".
وتابع: «كسرنا الدنيا فى الموسم ده، وكانت الناس بتيجى من كل أنحاء العالم، ومن الدول العربية يحجزوا الأوتيل قبل العرض الذى كان موعده يوم الاثنين، وكان العدد يصل إلى 1300 شخص، وبعد نجاحنا انتقلنا بين عدة فنادق، وسافرنا لنقدم العرض فى إنجلترا وأمريكا وإيطاليا".
وأضاف: «من عائد هذه الحفلات سددت سامية جمال ديونها، وأصلحت شقتها ودفعت ما عليها من ضرائب، وبعد سنة من هذا النجاح قالت لى: كفاية يا سمير أنا رقصت علشان أسدد ما على من التزامات، وقلت لها: «انتى أصغر من صباح وصباح مازالت تغنى، ولكن قالت كفاية، وبعد كام شهر ماتت".
وندمت سامية على قرار عودتها، واعتزلت بعد ذلك بلا رجعة، وقامت بأداء فريضة الحج قبل وفاتها بشهرين فقط، ثم قامت بشراء مدفن باسمها، ورفضت أن تكتب عليه لقب الفنانة، وأوصت أن يخرج جثمانها من سلم الخدم وأن يصلى عليها في مسجد السيدة نفيسة، التى كانت تصلى فيه، ورحلت في ١ ديسمبر عام ١٩٩٤.