نظرة يا صاحب المقام .. ماهي حكاية جوابات المصريين لضريح الإمام الشافعي؟
تحتل أضرحة ومقامات أولياء الله مكانة كبيرة في قلوب المصريين لنيل كرامتهم واتخاذهم وسيلة للتقرب إلي الله، ويعتبرها البعض ملاذاً في وقت الشدة ولقضاء الحاجات من خلال مناجاتهم وتقديم النذور، ومنهم من يرسل له الرسائل والخطابات لتعذره الحضور بنفسه إلى ضريح الولى الصالح أو القديس لسبب من الأسباب.
وقد أبرز فيلم "صاحب المقام" الذي عرض مؤخراً عبر منصات المشاهدة حسب الطلب، ظاهرة رسائل المصريين إلي أضرحة الأولياء ومنهم الإمام الشافعي الذي عشقه المصريون وظلوا متعلقين بمقامه وضريحه في وسط القاهرة إلى يومنا هذا علي الرغم من مرور نحو ألف عام علي وفاته.
الإمام الشافعي
هو الإمام أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعى، ثالث الأئمة الأربعة عند أهل السنة والجماعة، وصاحب المذهب الشافعى فى الفقه الإسلامى، ومؤسس علم أصول الفقه، وتنسب له آراء فقهية عدة وفتاوى قديمة.
وقد رحل الإمام الشافعي فى آخر ليلة من رجب سنة 204 هـ - الموافق 20 يناير عام 820م بمدينة الفسطاط بمصر، ومع ذلك كان هناك بعض المصريون البسطاء يراسلونه بالبريد العادي ويخاطبونه كأنه شخص حي.
وقد نجح الدكتور سيد عويس من خلال كتاب "رسائل للإمام الشافعي : دراسة سوسيولوجية" في رصد أكثر من ١٦٠ رسالة أرسلها بعض الناس من محافظات عدة إلى ضريح الإمام الشافعى، يطلبون منه الشفاعة فى قضاء حوائجهم ورفع الظلم عنهم ورد حقوقهم، إذ يقول فى كتابه: "الكثير من الناس على اختلاف مكانتهم الاجتماعية، الذين يلجأون إلى الإمام الشافعى عن طريق زيارة ضريحه، وليس بالضرورة عن طريق إرسال الرسائل إليه. فهؤلاء يذهبون إليه زرافات ووحدانا يتحدثون إليه، ويناجونه، ويشكون إليه ويطلبون منه. ولن نعدم أن نجد بعضهم يكتبون قصاصات يرمونها فى "المقصورة" حاوية على أناتهم ووجائعهم ومطالبهم".
لم يكن الهدف من الكتاب هو جمع وعرض هذه الرسائل، ولكن تحليلها ودراستها، فهى تتضمن شكاوى، والشكاوى أنماط عدة، صنفها سيد عويس إلى خمسة أنواع، وتبين أن أكثر الأنواع التى أمكن تحديدها هو شكاوى الاعتداء على الأموال، وتليها شكاوى الاعتداء على الأشخاص، ثم الشكاوى فى نطاق الأسرة، ثم الشكاوى فى نطاق العمل. أما النوع الخامس فهو بعض الشكاوى الأخرى ونسبته نحو ثلث الشكاوى كلها، وهو يشتمل على شكاوى بسبب الاعتداء الذى لم يبن نوعه ونسبته من الشكاوى كلها تبلغ وحدها أكثر من الخمس. وكانت طلبات مرسلى الرسائل متعددة الأنواع، وتظهر ما فى نفوسهم من غل وحقد ومن مرارة ومن ضياع، وقد صنفها الدكتور سيد عويس إلى أربعة أنواع.
وتبين أن أكثر أنواعها هو طلبات الانتقام، وتليها طلبات الحكم العادل ورفع الظلم، وتلى ذلك الطلبات الشكلية، ثم يلى ذلك بعض الطلبات الأخرى (قراءة الفاتحة، والشفاء من المرض، والزواج...).
وفيما يلي نستعرض نماذج من الرسائل التي رصدها الدكتور سيد عويس في كتابه :
كتبت سيدة من الحميرات بمحافظة قنا، رسالة على ورقة عادية، ولم تذكر فيها تاريخا، موجهة خطابها إلى الإمام الشافعى، جاء فيها ما يلي:
"مقدمه لسيادتكم فلانة بنت فلان، بما أنى حرمة فقيرة الحال، ومسكينة وغلبانة، وتتفسر فى الذكرى كسر بيتى، وأخذ منى البهايم والبرسيم تتفسر فيه. وشاركه فى عمره وتخبله بأى داء فى جميع جسمه، أو تلقوه مكتول (مقتول) مرمى، وأنا ولية مسكينة وشاحتة منك ومن الله شكوتى وليك وللاه (ولله)..".
سيدة أخرى من طنطا محافظة الغربية، ذكرت اسمها وكتبت رسالتها على ورقة عادية بتاريخ ٢٢ نوفمبر سنة ١٩٥٦، قالت فيها دون ذكر البسملة والصلاة على النبى، موجهة خطابها إلى الإمام الشافعي:
"سيدنا الإمام الشافعى، بن أبى طالب، بن سيدة النساء السيدة فاطمة رضى الله عنها. وبعد ذلك نشكو لله ولك فلانة بنت فلانة، ونطلب منك أن تسأل الله سبحانه وتعالى أن ينتقم من فلانة وزوجة ابنها فلانة وبنتها فلانة أنهم دخلوا منزلى فى غيابى، وأخذوا الفرخة بتاعتى منى ظلما وعدوانا..".
ونجد رجلا آخر، تعذر التعرف على عنوانه، ذكر اسمه وكتب رسالته على ورقة عادية، ولم يذكر فيها تاريخا، قال بعد ذكر البسملة والصلاة والسلام على سيد المرسلين موجها خطابه إلى الإمام الشافعى قائلا:
أقدم شكواى إليكم والله خير الحاكمين.. وبعد.