لم يعلم أحد بموتها إلا بعد يومين وتدخل الملك فاروق لحل الأزمة التي أشعلتها بين الأميرة فوزية وبين ”شاه إيران”
تحل اليوم ذكرى ميلاد مؤلفة الموسيقى التصويرية الممثلة والكاتبة والمخرجة بهيجة حافظ، التي تعد أول مخرجة مصرية، وأول من مارست فن تأليف الموسيقى التصويرية للأفلام السينمائية، فهي رائدة من رواد الفن في الزمن الجميل.
فلا يستطيع أحد إنكار أهمية الموسيقى التصويرية ودورها في نجاح أي عمل فني، وكان لـ بهيجة حافظ الفضل في ذلك كونها أول من قامت بتأليف الموسيقى التصويرية للأفلام في السينما، كما أنها كانت من أوائل الرائدات في صناعة السينما وأكثرهن تثقيفًا.
تدين السينما المصرية للفنانة بهيجة حافظ، بالكثير فهي صاحبة الفضل في وجود السينما في مصر، ثم حمل الراية من بعدها نجمات أخريات، كما أنها لها تجارب سينمائية مبكرة رغم كل ما واجهته من حرب في عصر كان عمل المرأة في الفن يلقى أشد هجوم.
شقت بهيجة حافظ طريقها بصعوبة في المجال الفني، وبعد قصة كفاح ومعاناة طويلة، استطاعت أن تضع بصمتها في السينما المصرية، وعلى الرغم من أن أعمالع أثارت الجدل، إلا أن حياتها الشخصية وتفاصليها كانت الأكثر إثارة.
ولدت بهيجة في 4 أغسطس 1908 بمحافظة الإسكندرية، لعائلة ثرية، حصلت على دبلوم الموسيقى من باريس ودرست الإخراج والمونتاج السينمائي في برلين، وتعد أول وجه نسائي يظهر على شاشة السينما في الفيلم الصامت "زينب" عام 1930، كما أنشأت أول نقابة للمهن الموسيقية عام 1937.
بهيجة حافظ أول من ألفت الموسيقى التصويرية لأفلام السينما المصرية، أبرزها: "السيد البدوي، وزهرة، وليلى البدوية، وليلى بنت الصحراء، والاتهام، والضحايا، وزينب".
بدأت حافظ، حياتها مع السينما ببطولة الفيلم الصامت "زينب" عام 1930، أمام سراج منير وزكي رستم، إخراج محمد كريم، وكانت أول وجه نسائي يظهر على شاشة السينما المصرية.
تسبب الفيلم في اشتعال أزمة مع عائلتها التي بالرغم من حبها للفن، إلا إنها كانت تنظر إلى الفنانين نظرة دونية، فقالت بهيجة عن ذلك في فيديو نادر لها: " لما اشتغلت في الموسيقى كان أهلي رافضين، فبعدها أتعرض عليا فيلم (زينب)، فعملته وقلت زي بعضه طالما هما زعلانين أعمل الشغلانة دي بالمرة، ولما الفيلم اتعرض في مصر حقق نجاحا كبيرا جدًا، وأهلي قاطعوني ومش أهلي بس كل الناس في إسكندرية اضطهدوني ومحدش كان بيسلم عليا".
وأضافت: "لما الفيلم اتعرض في الإسكندرية، والدتي قالت ودوني أشوف بنتي أنا مشفتهاش من 3 سنين، فجابوها عشان تشوفني، لما شافت مشهد موتي في الفيلم، أُغمى عليها، افتكرتني مت بجد، وفضلت تقول بنتي ماتت، فنزلتلها وقولتها انا هنا يا ماما".
بهيجة التي عشقت الموسيقى كعينيها لجأت لطلب الطلاق من زوجها، إذ أنه لم يكن يشاركها هوايتها الوحيدة وغادرت مسقط رأسها بالإسكندرية لتستقر في القاهرة وتصبح أشهر سيدة في عالم الموسيقى، كأول سيدة مصرية تقتحم هذا الميدان، حتى إن صورتها نُشرت في مجلة "المستقبل" التي كان يصدرها إسماعيل وهبي، شقيق يوسف وهبي.
الصورة التي تصدرت غلاف المجلة ظهرت فيها "بهيجة" بالبرقع والطرحة، وكُتب تحتها عبارة "أول مؤلفة موسيقية مصرية"، حينها لفتت انتباه "محمد كريم"، فعرض عليها بطولة فيلم، ورحبت "بهيجة" بالعمل في السينما بالرغم من معارضة أسرتها الشديدة، لدرجة أن شقيقتها وقفت في السرادق حينها تتلقى العزاء فيها، إلا أنها لم تلتفت لذلك وقدمت الموسيقى التصويرية للفيلم، والتي تتكون من اثنتي عشرة مقطوعة موسيقية.
وتسبب فيلم "ليلى بنت الصحراء"، في أزمة بين الأميرة فوزية وبين "شاه إيران"، وتدخل الملك فاروق لحلها بوقف عرضه، فالفيلم كان يدور حول الحرب ما بين الفرس والعرب، وأن "ليلى"، بطلة الفيلم التي جسدتها بهيجة حافظ، أسرها ملك الفرس وعذبها".
وانفقت "بهيجة"، 18 ألف جنيه تكلفة إنتاجية للفيلم، وبعدما أوقفه الملك فاروق، تعرضت شركتها للإفلاس فاضطرت للتوقف عن الإنتاج السينمائي لمدة عشر سنوات.
وفي عام 1944، تم عرض الفيلم ولكن باسم آخر وهو "ليلى البدوية"، ولكنه لم يحقق صدى، على الرغم من فوزه بإحدى الجوائز الذهبية في مهرجان "برلين الدولي" والإشادة التي هللت بها الصحف للفيلم.
في عام 1937 أنشأت أول نقابة عمالية للموسيقيين وظلت هذه النقابة قائمة حتى عام 1954، كما أنشأت صالونها الثقافي الخاص عام 1959 داخل قصرها المجاور لقصر هدى شعراوى في شارع قصر النيل.
انتهت حياتها بشكل مأساوي، حيث ظلَّت طريحة الفراش لسنوات طويلة، لا يطرق بابها إلا القليل من معارفها، حتى اكتشف الجيران وفاتها بعد يومين من حدوث الوفاة، وحضرت شقيقتها سومة وابن شقيقها من الإسكندرية وقد شُيعت لمثواها الأخير دون أن يمشي في جنازتها أحدًا من الفنانين، ودفنت في مدافن الأسرة في القاهرة، ولم يتم كتابة النعي في الصحف أو حتى إقامة العزاء ليلاً.