طبيب الغلابة.. أسرار لا تعرفها عن الحياة الخاصة للدكتور محمد مشالي
يعتبر الدكتور محرز غالي أستاذ الصحافة بكلية الإعلام جامعة القاهرة واحدا ممن عرفوا طبيب الغلابة الراحل محمد مشالي وكتب الدكتور محرز علي صفحته الشخصية بموقع الفيس بوك أسرار قد لا يعرفها أحد عن الطبيب الراحل :
" عرفت الدكتور محمد عبد الغفار مشالي - رحمه الله- منذ وعيت على هذه الدنيا، وكان الرجل طبيب العائلة والأسرة، ومعظم عائلات القرية والقرى المجاورة، وحتى بدأت تشهد قريتنا تخرج بعض أبنائها النوايغ في كليات الطب، واختيارهم افتتاح عيادات بها، لخدمة ذويهم وأهاليهم، فبدأت تقل حركة الاتجاه إلى أطباء المدينة عموما إلا للأطباء من ذوي التخصصات غير الموجودة بين الأطباء من أبناء القرية .
كان الدكتور مشالي رحمه الله تربطه علاقة صداقة قوية بالوالد - متعه الله بالصحة والعافية - نتيجة عشرة السنين الطويلة الممتدة، وكان والدي لديه قناعة كبيرة بكونه الطيبب الوحيد الذي أوتي كل مجامع الحكمة والطب معا، رغم كونه -من وجهة نظري المتواضعة- كان طبيبا عاديا، وليس فذا في مهنته كبعض مشاهير الأطباء، الذين امتلأت بهم مدينة طنطا، ولكنها عيون المحبين والمريدين و فضل الله الذي اختار الدكتور مشالي أن يكون إلى جواره، حين فضل الانحياز إلى الفقراء والمهمشين وحين اختار أن يمارس الطب كرسالة مثل كثير غيره من أبناء مصر، الذين غفل الإعلام عن تقديمهم للناس وإبراز أدوارهم الإنسانية العظيمة .
ترددت على عيادة الدكتور محمد مشالي عشرات المرات منذ وعيت على الدنيا وحتى آخر مرة أصر والدي أن يصحبني فيها وبعض أصدقائي هشام جابر Mohamed Hashem إلى عيادته التي لم تتغير ونحن في السنة الثانية من دراستنا الجامعية، وكان وقتها مديرا لمستشفى الحميات بطنطا، للكشف علينا من احتمال أصابتنا بالبلهارسيا، استجابة للحملة القومية التي كانت تستهدف القضاء على هذه المرض وقتها، فما كان من الرجل، بعد أن رحب بنا وبالوالد، وبعد أن قدم واجب الضيافة، إلا أن قام باصطحابنا بنفسه من عيادته إلى مستشفى الحميات، وإجراء التحاليل لنا بنفسه، والكشف علينا حتى لا يأخذ أي مقابل وبالرغم أنه لم يجد أثرا للمرض إلا أنه أصر على إعطاءنا أقراص البلهارسيا تحسبا ومن باب الوقاية .
على مدار هذه الرحلة الطويلة الممتدة كان الدكتور مشالي بالفعل طبيبا للفقراء ، كما كان الدكتور عبد الرحيم كامل رحمه الله Nagwa Kamel بالنسبة لأهل المنصورة ودمياط، رغم أنه كان قاهريا أبا عن جد حسب معلوماتي، وكما كان غيرهما من الأطباء من أبناء مصر الطيبين المنتشرين في كل ربوع المحروسة، والذين تجاهلهم الإعلام غفلة أو عمدا فرفع الله ذكرهم بين الناس. فقد كان الدكتور مشالي ومن على شاكلته من هؤلاء الأطباء الذين تجاروا مع الله أحرص الناس على تقليل أسعار ورسوم الكشف المفروضة، وكان يحرص على إجراء التحاليل للمرضى بنفسه في عيادته حتى يوفر لهم ثمن التحاليل الطبية المطلوبة، بل والأكثر غرابة أنه كان يحرص على توفير الأدوية لمرضاه - خاصة الفقراء منهم - سواء من العينات التي كانت تقدمها له شركات الأدوية، أو مما كان يشتريه لهم بنفسه، أو يصرفه لهم من مستشفى الحميات التي كان يعمل بها ثم تولى إدارتها بعد ذلك .
كان الدكتور مشالي يبدأ عيادته على أيامي منذ الساعة السابعة صباحا وحتى الساعة العاشرة والنصف، ثم يذهب إلى عمله بالمستشفى ويعود إلى عيادته في وردية مسائية أخرى، وما بين العيادة البسيطة -التي كانت تعج بالمرضى والزوار، الذين كانوا من كثرتهم يجلسون على امتداد سلالم العمارة من الدور الأرضي وحتى الدور الثالث الذي تقبع فيه عيادته، عاش الدكتور محمد عبد العفار مشالي بين الناس يمارس دوره الإنساني كطبيب، مترفعا عن كل شيء، وزاهدا في الدنيا وزخرفها، ولم يرد القدر أن تنتهي رحلة هذا الرجل وما قدمه من عطاء إلا بالنهاية التي يستحقها، والتي لم يسعى يوما إليها، فأصبح الرجل على مدار آخر سنتين من عمره علما بين الناس في كل ربوع مصر، وأصبح مضربا للأمثال، فرفع الله في العالمين ذكره، وحين جاء أجله وقبضه الله بالأمس إليه وجد الرجل - من بين من يعرفه ومن لا يعرفه- من يذكره بالخير ويدعو له ويرثيه، فيا بشرى بهذه النهاية العظيمة، ونسأل الله له الرحمة والمغفرة والفردوس الأعلى"