الخطة 700 .. هكذا دفعت مصر ثمن تأميم قناة السويس

العدوان الثلاثي علي
العدوان الثلاثي علي مصر

عندما قرر الرئيس الراحل جمال عبد الناصر اتخاذ قرار هام وحاسم بشأن تأميم قناة السويس كان يدرك أن مثل هذا القرار ستكون له ردود فعل دولية عنيفة وعواقب وخيمة علي مصر .

وبالفعل لم ينتظر كثيرا حيث خرجت الحكومة البريطانية في اليوم التالي لقرار التأميم لتعلن عن اتخاذها قرارا بتنفيذ الخطة ٧٠٠ لضرب مصر وسرعان ماانضمت إليها فرنسا وتحالفات معهما إسرائيل للقضاء علي نظام عبد الناصر .

وضعت بريطانيا الخطة 700 منفردة قبل ان تشترك مع فرنسا وقبل أن تتواطئ الإثنتان مع إسرائيل وذلك عام 1956 لتوجيه ضربة سريعة وحاسمة للقضاء على نظام الحكم بقيادة عبد الناصر في مصر بعد إعلان تأميم قناة السويس.

بدأ هجوم إنجلترا وفرنسا واسرائيل في 29 من أكتوبر سنة 1956‏ وقد سبقته ولحقته معارك سياسية بدأت مباشرة بعد اعلان قرار تأميم قناة السويس يوم‏26‏ يوليو‏1956‏ واستمرت حتي جلاء القوات المعتدية في 22 من ديسمبر 1956 وبهذا تكون هذه الحرب قد استغرقت 150 يوما كاملة.

وكانت الخطة 700 تتلخص في غزو بحري بريطاني للإسكندرية كمقدمة لإحتلال القاهرة وبذلك يسقط الحكم القائم في مصر بعد تدمير القوات المصرية في معركة على الإتجاه الإستراتيجي الإسكندرية – القاهرة ولكن هذه الخطة كانت تعني إحتلال مصر كلها لحماية وتأمين القناة لكنها قضت تماما على آمال السياسيين البريطانيين بزعامة أنتوني إيدن في توجيه ضربة سريعة وحاسمة للقضاء على نظام الحكم في مصر ولم يكن من المستغرب أن يرفض إيدن هذه الخطة تماما عندما عرضت عليه يوم 8 أغسطس ولم يبق أمامه بعدئذ إلا قبول شركاء آخرين يقومون معه بالعمل المشترك الذي يأمل من ورائه تحقيق عامل السرعة والحسم فكان أن وافق على إشراك الفرنسيين وظهرت للوجود الخطة الثانية المسماة الخطة هاميلكار.

عندما إتصل جي مولييه رئيس الحكومة الفرنسية بأنتوني إيدن بعد إعلان مصر للتأميم أظهر الفرنسيون الحماسة والإندفاع لمهاجمة مصر مثل البريطانيين وكان هدفهم هو ضرب الثورة الجزائرية في مصر وعلى ذلك تقرر منذ اللحظة الأولى القيام بعمل فرنسي بريطاني مشترك ضد مصر.

وعندما شعر المسئولون البريطانيون بعدم التأييد الأمريكي لعمليتهم المنتظرة بدأ التخطيط البريطاني الفرنسي للعملية ووصل بعض القادة العسكريين من فرنسا وهكذا وجدت لجنة التخطيط المشتركة.

وفي هذه المرحلة عرضت فرنسا على بريطانيا إشراك إسرائيل في الغزو ولكن إيدن رفض الفكرة تماما ولم يقبل مشاركة إسرائيل كحليف في هذا العمل.

وفي يوم 31 يوليو بدأت لجنة التخطيط المشتركة عملها حيث لم يكن قد تم بعد الإتفاق على إنشاء قيادة مشتركة وفي هذا التوقيت تقدم العسكريون البريطانيون إلى الفرنسيين بأول خطة حربية وضعوها وهي الخطة 700 التي تهدف إلى غزو مصر من الإسكندرية.

وقد وافق عليها الفرنسيون كما تم إتفاق الطرفين على بحث عدة نقاط منها.. أولا: تخصيص القوات من الجانبين

وقدبوقد مجموع القوات المخصصة من جانب البريطانيين حوالي 45000 جندي و 12000 مركبة و 300 طائرة و 135 سفينة حربية منها 5 حاملات طائرات و 5 طرادات.

وبلغ مجموع القوات المخصصة من جانب الفرنسيين حوالي 43000 جندي عدا أفراد الطيران والبحرية و 9000 مركبة و 200 طائرة و 30 سفينة حربية منها حاملتا طائرات وبارجة واحدة و 3 طرادات.

ويلاحظ أن القوات البريطانية لا تفوق القوات الفرنسية كثيرا في تكوين القوات البرية ولكنها تزيد عليها بشكل واضح في القوات الجوية وخاصة في القاذفات النفاثة التي لم تكن فرنسا تمتلك منها شيئا وكذا في القوات البحرية.

ثانيا – تخصيص وإستخدام قواعد الهجوم :

نظرا لعدم إمكان إستخدام القواعد الموجودة في الدول العربية المجاورة وكذا القواعد الموجودة في حلف الأطلنطي القريبة ، فلم يبق صالحا لعملية حشد القوات المهاجمة وتجميعها ثم توجيهها إلى الشواطيء المصرية سوى قاعدتين بالبحر المتوسط هما :

قاعدة قبرص والتي تعتبر اقرب قاعدة للسواحل المصرية إذ تبعد عنها مسيرة يوم واحد بالإسطول إلا أن موانئها صغيرة وغير مجهزة . وليس بها سوى مينائين صغيريين هما فاماجوستا وليماسول ، وهما غير صالحين لرسو السفن الكبيرة التي تزيد على 5000 طن كما أن قبرص لاتتوفر بها مساحة كبيرة لإستقبال قوات الغزو الضخمة التي ستكون مهددة بأعمال حرب عصابات من القبرصيين الثائرين وقتئذ ضد الإحتلال البريطاني .

وقاعدة مالطة حيث كانت هي القاعدة الثانية بعد قبرص ولكنها تبعد 936 ميلا بحريا عن الشاطيء المصري وهي مسافة تقطعها السفن الحربية في أربعة أيام .

ورغم أن الميناء بها جيد فإن الجزيرة نفسها صغيرة جدا ولايمكن حشد كل معدات وقوات الغزو بها فضلا عن عدم وجود مساحة كافية لأغراض التدريب ، ونظرا لأن القاعدتين كانتا تتبعان بريطانيا في ذلك الوقت فقد أتفق على تخصيص قبرص للقوات الفرنسية كما خصصت مالطة للقوات البريطانية.

وكان ذلك يتطلب توقيتات دقيقة ومعقدة عند شن الحرب لكي يتلاقى الأسطولان الفرنسي والبريطاني في نقطة واحدة بالبحر المتوسط لكي يوجها هجومهما البحري معا كما صار من اللازم أن يصدر الأمر للقوات المهاجمة بالتحرك قبل يوم الغزو بأربعة أيام على الأقل.

وكان تحرك القوات البريطانية من مالطة في نفس التوقيت الذي تحركت فيه القوات الإسرائيلية لبدأ هجومها على سيناء من أهم العوامل في كشف التواطؤ مع إسرائيل.

ونظرا لبعد هذه القواعد البحرية عن مصر فقد إضطرت بريطانيا وفرنسا إلى إستخدام حاملات الطائرات ومطارات إسرائيل كي تقوم الطائرات منها بغاراتها الجوية على القوات والمطارات المصرية سواء لصالح الخطة الإسرائيلية " قادش".

وتم الإتفاق بين البريطانيين والفرنسيين على تشكيل قيادة مشتركة على أن يكون القائد العام بريطانيا مع إتباع إستخدام نائب فرنسي لكل قائد بريطاني في كل فرع من أفرع العمليات والخدمات ، وقد تم تعيين القادة الآتيين إعتبارا من 11 أغسطس 1956 :

1- الجنرال تشارلس كيتلي قائد القوات البريطانية في الشرق الأوسط قائدا عاما للحملة.

2- الأدميرال الفرنسي بارجوت قائد الإسطول الفرنسي نائبا للقائد العام.

3- لقيادة القوات البحرية سلاتر البريطاني ونائبه لانسولت الفرنسي.

4- لقيادة القوات البرية هيوستوكويل البريطاني ونائبه بوفر الفرنسي.

5- لقيادة القوات الجوية بارنت البريطاني ونائبه يروهون الفرنسي.

وتم تغيير إسم الخطة 700 بالإسم الجديد هاميلكار ووجد أن تنفيذها يتطلب فترة إستعداد لاتقل عن ستة أسابيع ولما كان قد مضى إسبوعان منذ تأميم القناة إلى حين إتمام وضع الخطة فقد أصبح من المحتم أن يتم الإستعداد لبداية الهجوم في منتصف سبتمبر ، وأمرت القوات المتوجهة إلى قبرص ومالطة أن تضع الحرف "H" رمز هاميلكار فوق خوذ الجنود وأسطح العربات والطائرات ، ولكن سرعان ما صدر أمر جديد من الجنرال ستوكويل قائد القوات البرية بتغيير إسم الخطة إلى موسكتير.

ولكن كانت فرنسا لديها خطة حربية أفضل من خطة موسكتير‏‏ وهى ان اسرائيل تقوم باستدراج الجيش المصري الي سيناء الأمر الذي يخلق فراغا في منطقة طرفى القناة وبذلك يمكن للقوات الانجلو ـ فرنسية سرعة احتلال القناة وحصار القوات المصرية بين المطرقة والسندان‏..‏ وفي نفس الوقت يخلق اشتراك اسرائيل سبباً لتدخل الدولتين اللتين ستظهران كأنهما ترغبان في تأمين منطقة القناة والفصل بين المتحاربين‏.

فوافقت بريطانيا علي اشراك اسرائيل‏..‏ وذلك في المؤتمر الذي عقد بلندن يومي‏10‏ و‏11‏ سبتمبر وألغت الخطة موسكتير‏ وأعدوا خطة موسكتير المعدلة حيث مكان الغزو بورسعيد وليس الاسكندرية يتلوه زحف مشترك نحو الاسماعيلية ومن ثم تتجه القوات البريطانية الي‏'‏"ابو صوير‏" بينما تتجه القوات الفرنسية الي السويس‏.‏

وبعد ذلك يوجه الطرفان ضربة واحدة قوية إلى القاهرة‏..‏ وكان علي اسرائيل أن تقوم بإستدراج القوات المصرية الي سيناء ثم تدميرها هناك بمعاونة القوات الجوية الانجليزية والفرنسية‏.‏

وفي‏18‏ سبتمبر استلم الخطة بن جوريون فى تل أبيب وانتهز الفرصة وسرعان ما طالب بدعم‏ حربي ليواجه به الجيش المصرى.

وفي‏20‏ سبتمبر تمت الموافقة علي ذلك واصبحت الخطة تعرف باسم الخطة موسكتير المعدلة النهائية‏.‏

‏وفي ‏22‏ أكتوبر طار بن جوريون لباريس حيث أخذ يطالب بضمان علي شكل معاهدة يوقعها الأطراف الثلاثة‏..

وفي يوم ‏24‏ أكتوبر مضي رفقاء الحرب الي سيفر احدي ضواحي باريس‏ يناقشون الخطوط النهائية فى الخطة موسكتير المعدلة النهائية‏ ثم وقعوا المعاهدة وتحمل ذات الاسم‏.

تم نسخ الرابط