شيخ الأزهر : اتهموني بتعليم طلاب الأزهر الرقص وشرب الخمور.. وهذه حكايتي مع اليهودي ”أبو البركات البغدادي ”

شيخ الأزهر
شيخ الأزهر

سيرة شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر بها العديد من المحطات الفارقة التي تركت بصمة واضحة في حياته المهنية لعل أبرزها رسالة الدكتوراه الخاص به والتي كانت عن شخصية يهودية أسلمت في القرن الرابع .
الإمام تكلم عن هذه النقطة بالتفصيل في إحدي حلقات برنامج الطبعة الأولي الذي كان يقدمه الاعلامي أحمد المسلماني ..يقول شيخ الأزهر : سجلت موضوع رسالة الدكتوراة، عن شخصية يهودية أسلمت فى القرن الرابع، كانت تسمى «أبوالبركات البغدادى»، وكان رجلا ذكيا وعبقريا، وأراد أن يهدم ابن سينا والفلسفة اليونانية تماماً، وكان ميالاً للفلسفة الدينية والقرآن.. وذهبت إلى فرنسا أكثر من مرة لأنى وجدت هذا الرجل مكتوبا عنه بـ9 لغات، منهم شخص يهودى كتب عنه بالعبرية والفرنسية والإنجليزية والروسية، بينما لم يكن مكتوباً عنه باللغة العربية إلا بعض الملازم الصغيرة.

وتحدث الطيب عن أبوالبركات البغدادى قائلاً: «كان يهودياً إلا أنه أسلم فى نهاية حياته، وتوفى سنة 547 هجرية، وقد كتب يهودى يدعى (سلمون) أن عبقرية (البغدادى) تولدت عنده بسبب الاضطهاد الذى لاقاه من المجتمع الإسلامى». وأضاف: «لكننى أثبت أن هذا لم يكن صحيحاً لأنه وصل إلى أن أصبح طبيباً لزوجة الخليفة، فلا يمكن أن يكون مضطهداً إذن، وقد كان يستمع إلى العلم من وراء الجدار، وكان يحاور الأستاذ ويرد عليه من خلف الجدار، وقد فسر اليهودى سلمون هذا الأمر بأن هذا تأكيد على الاحتقار الذى كان يلقاه البغدادى، لكننى فسرت هذا على أن العلم وقتها كان مكانه المسجد، وبالطبع كان معلوماً وقتها أن غير المسلمين لا يدخلون المسجد، ولو أن الأستاذ كان يحتقره لما كان يرد على أسئلته أو يسمح له بمراجعته وطرده من حلقة العلم، لكنه فى الحقيقة كان يشعر بنوع من الظلم لأنه كان يريد أن يكون فيلسوفاً مثل ابن سينا، واستطاع أن يحطم فلسفة ابن سينا وأرسطو فى عديد من المناحى، وكان ينتصر لأفلاطون لأنه كان له بُعد روحى وصوفى قريب من الأديان، فخرج بنقده على أرسطو، وألّف كتابا واحدا اسمه «المعتبر فى الحكمة»، وعكفت على هذا الكتاب 6 سنوات، وهى الفترة التى استغرقتها لإنهاء رسالة الدكتوراه.

وتابع «الطيب»: «مات البغدادى مسلماً وشغلت كثيراً بما إذا كان ألف هذا الكتاب قبل أو بعد إسلامه، وكان هذا الكتاب قبل إسلامه، لكنى استطعت أن أتأكد أن أثر الفلسفة اليهودية واضح فى معالجته لكثير من الأمور فى الكتاب، لكنه ألف بعد هذا رسالة صغيرة تسمى (صحيح أدلة النقل فى ماهية العقل)، وقد بدأها بالبسملة والصلاة على النبى، وانتصر فيها لآيات من القرآن، وهذا بالطبع يؤكد أنه أسلم، وقد كف بصره بعدما دخل الإسلام، وأعلن تلاميذه من المفكرين اليهود أن ما حدث له يمثل عقوبة لاعتناقه الإسلام».

واستطرد: «التقيت أساتذة يهوداً فى (السوربون) وكانوا يقدموننى على أننى الشيخ أحمد، أستاذ من الأزهر، وكانوا محل احترام وتقدير، لأنهم لم يكونوا إسرائيليين، وكثير منهم كانوا فى السر غير مقتنعين بوضع هذه الدولة التى يريدون أن يسموها الدولة العبرية، وكانوا يرون الحفاظ على الدين اليهودى لا يتم إذا تجمع اليهود فى مكان، لأن المحور سيكون الدين اليهودى»، وتابع: «عدت إلى فرنسا لمدة 9 أشهر بعد انتهائى من رسالة الدكتوراه، وطلبوا منى هناك ترجمة الرسالة إلى اللغة الفرنسية وعرضوا علىّ أن أحصل على الدكتوراه من الجامعة من تلك الرسالة، لكن ضميرى لم يسمح لى بأن أقوم بهذه المسرحية».

وتابع «الطيب»: «التراث جاء نتيجة حضارة انبسطت على العالم، فنحن حضارة عالمية بعلومها ومعارفها وثقافتها وفنونها وأدبها وتراثها الدينى، ولو استمر الأمر فى هذا الطريق البائس فلن يمر أكثر من عشرين عاماً ولن تجد من يفهم فى كتبنا إلا الكاثوليك واليهود فى الغرب، وهذا جرس إنذار، وأقوله من منطلق مسؤوليتى أمام الله سبحانه وتعالى، فوالله لو لم يتغير التعليم فى جامعات الأزهر فوراً واليوم قبل غد، فلن يفهم تراثنا أحد، بينما هذه الكتب مدروسة وبعمق فى الغرب وفى مراكز دينية غير إسلامية فى مصر، لذا نحن نريد أن يكون هناك فريق أزهرى يعيد للأزهر هذه الريادة، وإلا سيتحول الأمر إلى هذا الغثاء الذى يشكو منه الناس الآن، وهو أن أى واحد يقرأ كتابين يزعم أنه عالم وأنه مفتٍ، فالسبب فى هذا هو الانحسار الذى أفسح المكان لأشباه الدعاة وأشباه العلماء.

وحول الانتقادات التى وجهت إليه، قال الطيب: «حدث أن أصبنا بأذى شديد من الكلام الذى كتب فى الجرائد عندما كنت عميدا لكلية أصول الدين وقيل إننى أريد أن أعلِّم أبناء أصول الدين الرقص وشرب الخمر، ولكن الآن ندموا جداً لأنهم أفلحوا فى أن يطفشوا الطلبة من أحد المراكز التابعة للجامعة بحجة أن المدرس سيدة أو غيره، فأنا لو خرجته يدرس فى أمريكا أو اليابان، هل هيصمموا لهم سيدات بنقاب ليدرسن لهم؟! بالطبع لا، وهذا الفكر لم يكن موجوداً لدى الشيوخ الذين أتوا من هذه البلاد بعد دراستهم، فقد لاحظنا أنهم كانوا يذكرون هذه البلاد باحترام، فلو أنهم عندما عادوا خاطبونا باللهجة التى نسمعها الآن، وقالوا لنا إن هؤلاء كفار (وناس منحلين) وحرام أن تذهبوا إليهم.. إذن فلابد من عودة التراث وهذا الفريق الذى يتقن التراث والعلوم الحديثة».

تم نسخ الرابط