فتش عن إسرائيل.. لماذا هددت أم كلثوم بإلغاء حفلها في باريس؟
بعد نكسة 5 يونيو سنة 1967، اتجهت كوكب الشرق أم كلثوم لإحياء حفلات لها في عدد من الدول لصالح المجهود الحربي، وكانت إحداها تلك التي أقيمت في العاصمة الفرنسية باريس على مسرح الأولمبيا يومى 13 و15 نوفمبر من نفس العام.
وكان «كوكاتريكس» مالك ومدير «الأولمبيا» قد زار القاهرة فى أوائل عام 1966، والتقى بوزير الثقافة وقتها الدكتور ثروت عكاشة، وتنقل صحيفة «لوموند» الفرنسية عن «كوكاتريكس»، أنه من أواسط الستينيات، القرن الماضى، انتهج سياسة الانفتاح على موسيقى العالم تحقيقا للتنوع، وفى لقائه بعكاشة تحدثا عن صالة «الأولمبيا» والأبعاد التى أصبحت تحتلها فى الترويج للفن الراقى فى العالم، فبادر عكاشة: لماذا لا تدرجون أم كلثوم ذات المجد الوطنى فى برنامجكم فى الأولمبيا؟..فوجئ «كوكاتريكس» بالطلب وأخذ يستعلم عن أم كلثوم من عكاشة..سأل: هل هى فنانة استعراضية؟، رد عكاشة: «أم كلثوم مطربة عظيمة وسوف تعلم مكانتها عندما تغنى على مسرح الأولمبيا».
تؤكد «لوموند»، أن «كوكاتريكس» عرف أن أم كلثوم هى أكبر صوت عربى على قيد الحياة، وأيقونة للشرق، والعرب من الرباط إلى دمشق منعقدون على حب وتقدير فنها، والكل ينتظر حفلها الشهرى ويرابط ليلة الخميس الأول من كل شهر بجوار الراديو فى البيوت والمقاهى والأسواق للاستماع إليها.
تضيف «لوموند»، أن «كوكاتريكس» أراد أن تكون فرنسا أول دولة غربية تستضيف كوكب الشرق، فذهب إلى فيلتها فى الزمالك ليقترح إقامة حفلين يومى 13 و15 نوفمبر 1967، ومعه الشاب محمد سلماوى الذى يتحدث الفرنسية لترجمة ما تقوله أم كلثوم، طلبت أم كلثوم أجرا بـ14 ألفا إسترلينيا، وهو أعلى من أجر «اديث بياف» مطربة فرنسا الأولى، وطلبت الإقامة فى فندق خمس نجوم، ويتذكر سلماوى فى «الأهرام - 7 مارس 1997»: «درس كوكاتريكس شروطها، ورجانى أن أخبرها بأنه وافق على طلباتها، اتصلت بها، وقلت: «كنت سيادتك طلبت من مسيو كوكاتريكس.. قاطعتنى بسرعة: بل هو الذى طلب منى؟.. قلت: أقصد أنه كان لك طلبات محددة، وطلب منى إبلاغك أنه موافق عليها جميعا».
تم التوقيع على العقود وكان ذلك قبل نكسة 5 يونيو 1967، وعاد «كوكاتريكس» إلى باريس للتجهيز للحفل، وتنقل «لوموند» عنه أنه توقع أن تتراجع بعد وقوع النكسة، لكنه فوجئ بإصرارها، يكشف: «عدت إلى فرنسا، اضطررت لرفع ثمن التذكرة، إلا أن غالبية العرب فى فرنسا كانوا من العمال المهاجرين خاصة من شمال أفريقيا مثل عمال البناء وغيرهم، ممن لا يستطيعون شراء التذكرة بـ300 فرنك لمستواهم المادى المحدود».
توقع أنه مقدم على خسارة هائلة، لكنه ووفقا لقوله: «عندما وصلت أم كلثوم قبل الحفل بأربعة أيام، طلبت من التليفزيون الفرنسى إجراء حوار معها، وأذيع فى نشرة الأخبار مساء، وفى اليوم التالى تزاحم المواطنون بالمئات أمام شباك التذاكر، وخلال يومين نفدت التذاكر، وجاءت طائرات من ألمانيا وإنجلترا، وطائرات على متنها أمراء من الخليج».
جاءت أم كلثوم إلى باريس، وغنت فى حفلتها الأولى «أنت عمرى» و«الأطلال» و«بعيد عنك حياتى عذاب»، واستمرت حتى صباح يوم 14 نوفمبر، ووقتها أكد «كوكاتريكس»: «لم أكن على دراية بأنها ستتبرع بأجرها للمجهود الحربى»
في كواليس حفل 13 نوفمبر دار حدث مهم يؤكد عظمة أم كلثوم، يرويه الكاتب محمد سلماوي الذي حضر اتفاقها وتعاقدها مع مدير المسرح في القاهرة، يقول "سلماوي" في مقال بصحيفة الأهرام في 7 مارس سنة 1997، إن "كوكاتديس" وهو يهودي اندفع إليهما في استراحة الفاصل يطلب منها توقف المذيع جلال معوض عن كلامه أثناء تقديمها، حيث يتحدث فيه عن حتمية الانتصار على إسرائيل وتحرير القدس وكل الأراضي العربية المحتلة، لأن الحفل فنياً وليس سياسياً.
ردت أم كلثوم: «أنا الذي طلبت أن يقول ما قاله، وذلك مرتبط بقضية بلادي، وإذا كان هذا لا يروق لك فانت غير مجبر على قبوله، وبإمكاننا إلغاء الحفل، وأحلك من اي التزامات»، وأشارت كوكب الشرق إلى الفرقة، قائلة "لموا الآلات يا ولاد"، فرد عليها "كوكاتديس" راجياً صرف غضبها، "سيدتي، ليكن لكِ ما تريدين".