أصر على وداع رسمى بـ 21 طلقة .. آخر لحظات الملك فاروق فى مصر
لم تكن ثورة 23 يوليو مجرد إنقلاب عسكري كما يصفها البعض لكنها كانت ثورة حقيقية على الظلم و الطغيان و الغطرسة التى عانى منها الشعب المصري لعقود من الزمان من جراء حكم أبناء الأسرة العلوية .
آخر من حكم مصر من أبناء محمد علي هو الملك فاروق الذى قامت ضده الثورة المجيدة كان الإقتصاد المصري فى عهده متخلفـًــا وتابعًا للاحتـكارات الرأسمالية الأجنبية يسيطر عليه بضع عشرات أو مئات على أقصى تقدير، وكانت نسبة البطالة بين الـمصريين 46% من تعداد الشعب، فى الوقت الذى كان يعمل فيه الغالبية فى وظائف دنيا وكانت آخـر ميزانية للدولة عام 1952 تظهــر عجزًا قــدره 39 مليون جنيه، فى حين كانت مخصصات الاستثمار فى المشروعات الجديدة طبقـًـا للميزانية سواء بواسطة الدولة أو القطاع الخاص صفرًا.
عانى المصريون خلال حكمه من ظلم وقهر وسوء توزيع لثروات الوطن وغياب للعدالة الاجتماعية، نسبة الفقر والأمية بلغت 90% من أبناء الشعب المصرى ومعدلات المرض حققت أرقامـًـا قياسية حتى أن 45% من المصريين كانوا مصابين بالبلهارسيا وغيرها من مختلف الأمراض التى تنتج عن سوء التغذية هذا فى الوقت الذى كان فيه بذخ وسفه الملك فاروق وأسرته ووالدته وحاشيته مثـار حديث صحـف ومجلات العالم .
وكان فاروق وقت قيام الثورة مقيمًا في قصره بالإسكندرية وعندما أيقظه حارسه الخاص وأبلغه بالانقلاب اتصل هاتفيًا بالسفير الأمريكي الذي أبلغه بأن الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا قد قررتا عدم التدخل لمساعدته واستسلم فاروق للضباط الأحرار الذين لحقوا به في الإسكندرية وحاصرت قواتهم قصر رأس التين مستعدين لإحباط أي محاولة مضادة للثور.
ظل فاروق ينتظر 3 أيام بينما كان الجدال دائرًا بين رجال الثورة لتحديد مصير فاروق فرأى بعضهم تقديمه للمحاكمة ورأى بعض منهم إعدامه دون محاكمة لكن جمال عبدالناصر ومحمد نجيب فضلا إقصائه عن البلاد في سرعة وأمان للتفرغ للثورة.
وأعدا قاضيان من المحكمة العليا الصيغة الرسمية لتنازل الملك فاروق عن عرشه ووقع فاروق الوثيقة مرتين لأنه شعر أن التوقيع الأول ليس سليمًا تماما وأمهله مجلس قيادة الثورة 7 ساعات فقط لمغادرة البلاد .
لم يتمكن فاروق من أخذ ثروته الطائلة في مصر اللهم إلا قليل منها لأن كل مجوهرات الأسرة وودائعها الثمينة كانت في القاهرة لكنه كان يمتلك ثروة طائلة أودعها في بنوك سويسرا توقعا لمثل هذه الظروف .
وفي الساعة السادسة من مساء 26 يوليو ذهب اللواء محمد نجيب والسفير الأمريكي بالقاهرة لتوديع الملك فاروق وأسرتة وكانت كلماته الأخيرة لنجيب إن حكم مصر ليس سهلًا كما تعلم وكان فاروق قد أصر قبل التوقيع على وثيقة التنازل عن العرش أن يخرج في وداع رسمي بـ21 طلقة.
بعد عزف السلام الملكي تقدم الملك إلى المحروسة واختلطت أصوات المدافع بصوت بكاء الخدم والحاشية ولم يكن اللواء محمد نجيب قد وصل إلى الميناء بعد لكنه عندما وصل أصرعلى أخذ لنش حربى لوداع الملك فاروق فى المحروسة ولم يعبأ بأنه مهدد بإطلاق الرصاص عليه من أحد أتباع الملك .
وكان فاروق ينتظر محمد نجيب الذى أدى للملك التحية العسكرية فرد عليها ومضت فترة سكون ثقيل كأنه جبل كما روى الباحث الأثرى الدكتور حسين دقيل المتخصص فى الآثار اليونانية والرومانية فى دراسة فمن الصعب إنسانيًا أن تودع ملكًا كان يملك الكل ويحكم كل شئ قبل أيام قليلة وكان من الممكن أن يعتقل أو يقتل محمد نجيب الذى أحس أن هزيمة الملك فاروق كانت قاسية جدًا كان ثمنها انهيار السلطة والنفي بعيدًا عن الوطن هكذا فكّر محمد نجيب بمشاعره الإنسانية .
وبعد فترة الصمت قال محمد نجيب للملك فاروق "يافندم أنت تعرف أنني كنت الضابط الوحيد الذي قدم استقالته في عام 1942 عندما حاصر الإنجليز قصر عابدين بالدبابات وأجبروا الملك فاروق على تعيين النحاس باشا رئيسًا للوزراء وكان نجيب يخدم في الحرس الملكي وقدم استقالته لعجزه عن حمايه الملك" قال: نعم أتذكر فقال محمد نجيب لقد كنت خجولًا للمعاملة التي تلقاها الملك في ذلك الوقت قال الملك فاروق أعلم! قال نجيب كنا مخلصين للعرش في عام 1942 لكن أشياء كثيرة تغيرت منذ ذلك الوقت قال الملك فاروق نعم أعرف أن أشياءً كثيرة قد تغيرت.
ويتابع قلت: أنت تعرف يا أفندم انك السبب فيما فعلناه وجاءت إجابة فاروق محيرة جدًا وشغلتني طيلة حياتي قال: أنتم سبقتموني بما فعلتموه فيما كنت أريد أن أفعل واندهش نجيب لهذا الرد ولم يجد شيئًا يقال فقدم للملك التحية العسكرية كما فعل الآخرون وتصافحا الاثنين وقال فاروق لنجيب أرجو أن تعتني بالجيش فهو جيش آبائي وأجدادي قال نجيب أعرف أن الكولونيل سليمان الفرنساوي هو الذي أسسه وهو الآن في أيدي أمينة فقال الملك فاروق لمحمد نجيب "ليس من السهل حكم مصر".
ويؤكد صاحب الدراسة أن هذا الحوار الإنسانى يستحق أن يسجل فى التاريخ وفى الكتب والحكايات والأعمال الدرامية خاصة ختام الحديث حين وقف القائدان الملك فاروق وقائد الثورة الضابط محمد نجيب يتصافحان فى ود مختلط بالمشاعر الإنسانية وفي احترام ووقار ثم وقف الملك وقال الآن يجب أن أمشي ومشي فاروق دون أن يرجع!!