رصدت اسرائيل لاغتياله مليون دولار .. هذه قصة الشبح المصري الذي هز تل ابيب في 56

الشهيد مصطفي حافظ
الشهيد مصطفي حافظ

لا يعرف كثير من المصريين وخاصة من الجيل الجديد، قصة الشهيد مصطفى حافظ، الضابط المصريّ، الذي كلّفه الرئيس جمال عبد الناصر بقيادة الكفاح الفدائي ضد إسرائيل في أواسط خمسينيات القرن الماضي، فقام بعمليات فدائية جريئه في عمق فلسطين ورصدت إسرائيل مليون دولار لاغتياله.

كان مصطفى حافظ شابًا طموحًا، يتميِّز بالشخصية القيادية، وهو ربّما الوحيد، الذي حصل في الجيش المصري على رتبة عميد، وهو في سن الرابعة والثلاثين.

رجل الظل

يعد الشهيد المصري مصطفى حافظ أو كما أطلق عليه الكيان الصهيوني "رجُل الظل" أو "الشبح" من الأسماء التي حفرت لنفسها مكانا بارزا في العمل المسلح ضد الكيان الصهيوني المحتل، فهو من أحد أبناء القوات المسلحة لكنه كان يؤمن بأن دوره كجندي لا يقتصر على الدفاع عن مصر أو تنفيذ أوامر القيادة الشكلية كضابط للمخابرات داخل غزة وفقط بل أنه آمن بأن دوره أسمي من ذلك و قام بتكوين مجموعات فدائية عرفت باسم "فدائيي مصطفى حافظ"، نفذت عمليات عدة داخل الكيان، وتمكن الشهيد المصري من زرع الرعب في قلوب الإسرائيليين، ما دفع قياداتهم إلى التخطيط لتصفيته جسديا.

بدأ حافظ حياته العسكرية والتحاقه بالكلية الحربية في مصر عام 1942، وبعد تخرجه عين في سلاح الفرسان، وفي 1948 انتدب لسلاح الحدود برتبة ملازم أول، ثم عين حاكماً لبلدة بيت جبريل حتى عام 1949، ثم حاكماً لرفح جنوب قطاع غزة، بعدها نقل إلى محافظة البحر الأحمر مأموراً للغردقة ، وفي أكتوبر من عام 1952 انتدب لإدارة المخابرات ( مكتب مخابرات فلسطين)، وأسندت إليه مهمة قيادة مكتب غزة .

كتيبة الفدائيين

لم يكتفي بهذا الدور حيث عمل مصطفى حافظ بكل جهد و إخلاص لتكوين كتيبة الفدائيين و تدريبهم للقيام بعمليات نوعية خلف خطوط العدو،‏ قام‏ ‏حافظ بتجنيد عددٍ من المدنيين الذين عليهم قضايا جنائية، وكان شرط خروجهم من السجن هو المشاركة بعمليات عسكرية ضد الاحتلال‏ الصهيوني في مواجهة الوحدة رقم 101 التي شكلها في تلك الأيام إريل شارون للإغارة على القرى الفلسطينية والانتقام من عمليات الفدائيين ورفع معنويات السكان والجنود الصهاينة ،. لكن مهارة حافظ ورجالة أفشلت مخطط شارون في النيل منه ومن رجاله، وهو ما جعل مسئولية التخلص منه تنتقل إلى مخابرات الكيان الصهيوني بكافة فروعها وتخصصاتها السرية والعسكرية.

اختراق تل ابيب

كما أهتم مصطفي حافظ بشكل خاص بتنسيق الجهود مع الفدائيين الفلسطينيين على الجبهة السورية من خلال الملحق العسكري في السفارة المصرية بعمان "صلاح مصطفى" ما أدى لتطور في حجم العمليات التي ينفذها الفدائيين داخل إسرائيل ، حتى وصل المعدل إلى أكثر من عملية يوميا اخترقت مناطق في العمق الصهيوني، كـ "تل أبيب" و"اللد"، وغيرها من المدن الكبرى.

بعض هذه العمليات نُفذت في مستوطنات في شمال الأرض المحتلة مثل مستوطنة "ريشون ليتسيون" بالقرب من "تل أبيب"، والمقامة على أراضي قرية "عيون قارة" الفلسطينية، وكان يقوم بتلك الأعمال، العديد من رجال "حافظ".

محاولات اغتياله

وبالرغم من السنوات الطويلة التي قضاها "حافظ" في محاربة الكيان الصهيوني، إلا أنه لم يستطع رجل واحد في جميع أجهزة المخابرات الصهيونية أن يلتقط له صورة من قريب أو بعيد، بالرغم من ذلك سجل الصهاينة في تحقيقاتهم مع الفدائيين أنه رجل يثير الاهتمام والاحترام ومخيف في مظهره وشخصيته.

مكافأة مليون دولار

كان الحل الوحيد أمام الصهاينة هو التخلص من "مصطفى حافظ" مهما كان الثمن، فوضع اسم "حافظ" على قمة قائمة الاغتيالات، حتّى أنهم رصدوا مكافأة مليون دولارًا لمن يدل عنه، وجندت في سبيل ذلك كل إمكانات أجهزتها الأمنية الداخلية والخارجية.

وفي أوائل العام 1956 دخل أفراد من الوحدة"101"، والتي كان يقودها مجرم الحرب الصهيوني "آرييل شارون"، والتي أوكل إليها تصفية "رجل الظل" في بيته، ونسفوا باب البيت، ولكنهم لم يجدوا أحدا، لأن "حافظ" هو أيضا بدأ يلعب لعبته مع الموساد، وجعلهم يراقبون طوال الوقت شخصا آخر ومنزلا آخر هو الذي تم اقتحامه.

استشهاده

كان سليمان طلالقة عميل مزدوج، يستخدمه الصهاينة لنقل أخبار المقاومة، لكن كان يعمل هو لحساب "حافظ" للتجسس على الاحتلال، وكانت السلطات في الموساد استدعته وأعطته طردًا به كتاب، ليوصله إلى قائد شرطة غزة، لطفي العكاوي، مدعين أنه يعمل لحسابهم، لأنهم كانوا يعلمون أن ذلك سيثير شكوك "طلالقة" ويجعله يطير بالطرد إلى "رجل الظل" الذي طالما بحثوا عنه.

في 11 يوليو 1956، كان "حافظ" قد عاد إلى غزّة من القاهرة، قبل يومين، وكان يجلس في حديقة مقر قيادته في القطاع، عندما دخل عليه سليمان طلالقة يُخبره بأمر الطرد وخيانة "العكاوي"، فأخبره "حافظ" أنه سيفتح المظروف ليرى ما فيه ثُم يعيده كما كان لـ"العكاوي"، وفي تلك اللحظة، وعندما فتح مصطفى حافظ الطرد، انفجر اللغم بداخله، وسقط "حافظ" أرضًا، ليموت في الخامسة صباح اليوم التالي متأثرًا بجراحه، بينما أصيب أحد ضباطه بإعاقة مستديمة، وفقد العميل سليمان طلالقة بصره.

تحطيم النصب التذكاري

بالرغم من استشهاد مصطفي حافظ إلا أن الإسرائيليين ظلوا يطاردون كل ذكرى له على أرض فلسطين لما مثله من رمز للنضال ضد الاحتلال، فبعد هزيمة يونيو 1967 و احتلال قطاع غزة تبارى الإسرائيليون في تحطيم نصب تذكاري أقامه الفلسطينيون لإحياء ذكراه، و كانوا يحطمون صوره التي كانت منتشرة في الشوارع و المنازل و المقاهي، و هو ما دفع الفلسطينيون لإخفاء هذه الصور و دفنها في الأرض، لتبقى صورة الشهيد مصطفى حافظ في قلب الأرض التي دفع من أجلها أغلى ما يملك حياته.

تم نسخ الرابط