حصد أرواح 34 ألفا.. قصة الوباء الذي ضرب مصر بسبب 10 صفائح مياه من بئر زمزم

الكوليرا
الكوليرا

في عام 1902 كانت قرية "موشا" بمحافظة أسيوط، مركزاً لتفشي الكوليرا في مصر الذي حصد أرواح الآلاف، فما هي قصة هذا الوباء؟.

يروي الدكتور نجيب محفوظ فى مذكراته "حياة طبيب"، أن الكوليرا تفشت في هذا العام بين الحجاج فى مكة، وقضت على الألوف منهم، وبينهم من المصريين الكثير، مضيفاً، أنه لما عاد الحجاج إلى مصر حُجزوا فى معازل الحجر الصحى فى سيناء، واُتخذت احتياطات دقيقة، ولكنها لم تمنع تسرب الكوليرا، فقد ظهرت فى قرية "موشا" بالقرب من أسيوط، وانتشرت منها إلى باقى مصر فقتلت 34 ألفا و595 مواطنا.

ويذكر "محفوظ" الذي كان وقتها طالبا في مدرسة الطب أن عدد الأطباء لم يكن كافيا لمقاومة الوباء ومكافحته، فقررت الحكومة تجنيد طلاب الطب الذين تقدموا فى الدراسة، خاصة طلبة السنة النهائية لكى يسهموا مع الأطباء فى مقاومة المرض، وتقرر وقف الدراسة فى مدرسة الطب وتأجيل امتحاناتها، واستمر الأمر حتى أواخر شهر ديسمبر 1902.

يصف "محفوظ" قرية "موشا" قائلا: "هي قرية صغيرة يسكنها بين ثلاثة آلاف وأربعة آلاف، وتقوم على مرتفع من الأرض وسط الحياض بأسيوط، وفى أثناء الفيضان تمتلئ الحياض، فتصبح القرية كأنها جزيرة تحيط بها المياه، لا يوصل إليها إلا على متن القوارب، وفى الصيف بعد انحسار مياه الحياض، تجف التربة، وتكثر فيها بسبب الحرارة أخاديد وشقوق يتعذر معها السير، ودرجة الحرارة فيها ترتفع حتى لتبلغ فى الظل أحيانا 53 درجة".

ضحايا الكوليرا

ماء زمزم

وعن سبب دخول الكوليرا إليها يقول محفوظ: كان بين الحجاج الذين عادوا، بعد أن قضوا فترة الحجر الصحى عمدة قرية "موشا"، وهو على حظ من الثقافة، وقد جلب معه عشرة صفائح مملوءة بماء بئر زمزم فى مكة، وكانت زمزم فى تلك السنة لحقها "ميكروب الكوليرا"، ولم يفطن إلى ذلك هو أو أطباء المحجر، فأذنوا له فى نقل صفائح الماء معه، وهى محتوية على رواسب عضوية تقوتت بها "ميكروبات الوباء".

ولما وصل العمدة إلى بلدته، وزع ماء الصفائح على أهله ومحبيه، فصبوا فى آبارهم للتبرك، وبعدها ظهرت بينهم "الكوليرا" تحصدهم حصدا، فأقامت الحكومة حول القرية نطاقا من العسكر يمنعون الدخول إليها أو الخروج منها، وحشدت لمكافحة الوباء خيرة الأطباء، وعلى رأسهم وطبيب من الجيش سبق له أن كافح الكوليرا فى الهند، وهو الدكتور "روانترى".

تجنيد الطلاب

كما جندت الحكومة طلبة السنتين الثالثة والرابعة من مدرسة الطب، وقدرت لكل منهم خمسة عشر جنيها مرتبا شهريا، وهو ضعف مرتب الطبيب فى الأحوال العادية فى ذلك العهد، وتواصل الكفاح شهراً كاملاً دون أن ينقطع الوباء، بل تسرب إلى البلاد المجاورة لأسيوط.

كان نصيب نجيب محفوظ فى التوزيع هو العمل فى محطة القاهرة للسكك الحديدية يفحص المشتبه فيهم من القادمين فى قطارات الصعيد، وعمل الإجراءات لشحن المهمات الطبية من القاهرة إلى "موشا"، ويؤكد أنه بعد أسبوعين سئم العمل فى هذا المكان، حتى قرأ خبراً فى صحيفة "المقطم" أن طبيباً مصرياً توفى فى "موشا" بالكوليرا أثناء تأدية عمله، فطلب من مصلحة الصحة نقله مكانه.

غير أن مدير عام المصلحة وكان إنجليزيا اسمه "راس بنشنج" رد عليه بأن الطبيب البديل المطلوب لابد أن يكون ممن مارسوا مكافحة الأوبئة، فرد "محفوظ": "يندر أن يكون فى مصر طبيب كافح الكوليرا قبل اليوم، فإن آخر غزوة للكوليرا كانت سنة 1882، منذ عشرين عاماً"، واقتنع "بنشنج" ووافق على سفر محفوظ وأعطاه رسالة إلى الطبيب الإنجليزى المسؤول فى "موشا" واسمه "جودمان".

 

 

تم نسخ الرابط