هل شعائر الحج من الوثنية؟ ولماذا أبقى الرسول عليها بعد فتح مكة ؟
تقول دار الإفتاء:
الحج من مِلَّة إبراهيم عليه السلام الذي أمرنا الله تعالى أن نتَّبع مِلَّته, وقد أمره الله عز وجل أن يُؤذِّن في الناس بالحج.
ومن المعلوم أن جميع الأنبياء والرسل، دينهم واحد، وهو الدعوة إلى توحيد الله عز وجل، وإن كانت هناك بعض اختلافات في الشرائع بينهم، فإنها متقاربة والهدف منها واحد، قال صلى الله عليه وسلم: «الأَنْبِيَاءُ إِخْوَةٌ لِعَلَّاتٍ أُمَّهَاتُهُمْ شَتَّى وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ».(1)
والحجُّ شَعِيرَة من القَدْر المشترَك بين شريعة سيدنا إبراهيم عليه السلام، وشريعة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء والمرسلين، وقد ظل الحج يُؤدَّى بالشعائر التي علَّمها إبراهيم عليه السلام للناس فترة كبيرة من الزمن بعده، ثم أُدْخِلَت عليه بعض الطقوس التي أفسدته وحرَّفته، ومن مظاهر هذا الإفساد إقامة بعض الأصنام حول بيت الله الحرام، وطواف المشركين بها وهم عرايا، قال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلاَّ مُكَاءً وَتَصْدِيَةً﴾ [الأنفال: 35]؛ أي صفيرًا وتصفيقًا (2)، فجاءت شريعة سيدنا محمَّد صلى الله عليه وسلم وصحَّحت ما أفسده هؤلاء وأعادت للحج شعائره الصحيحة.
وأعمال الحج ليست من اختراع الأنبياء؛ ولكنَّها تكليف من الله عز وجل.
وهذه الأعمال قائمة على الاستجابة لأمر الله عز وجل، فالطواف، والسعي، والنحر، وتقبيل الحجر، وغيرها من أعمال الحج لا تُقصد لذاتها، بل المقصود منها هو الامتثال لأمر الله تعالى، وإظهار الطاعة له. فالحج مظهر من مظاهر التوحيد لله عز وجل، وشعار الحجيج: "لبيك اللهم لبيبك، لبيك لا شريك لك لبيك" دليل على هذا.
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه عند تقبيل الحجر الأسود: "إِنِّي أَعْلَمُ أَنَّكَ حَجَرٌ لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ وَلَولا أَنِّي رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَبِّلُكَ مَا قَبَّلْتُكَ". (3)
وأعمال الحج لا يستفيد الله عز وجل منها لنفسه شيئًا، وإنما المقصود منها أن يُحَصِّل عباد الله التَّقوى بانصياعهم لأمر الله، قال تعالى: ﴿وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلاَ دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ﴾ [الحج: 36، 37].