وصفته بـ”الصايع”.. قصة زواج نازلي من الملك فؤاد رغمًا عنها
لم تكن "نازلي" تعتقد في يوم من الأيام أنها ستكون زوجة للملك أحمد فؤاد، وهي التي كانت تسمع دوماً عن فضائحه، وتعلق عليها بكلمات بذيئة، لكن يبدو أن الأيام كان لها رأي آخر.
ويروي رشاد كامل في كتابه "الملكة نازلي غرام وانتقام"، أن "نازلى" كانت قريبة إلى أسرة الزعيم سعد زغلول، تشاركهم فى إعداد الطعام فى كثير من الأيام، وكانت تسمع دائما "سعد"، وهو يحكى لزوجته "صفية" عن فضائح البرنس أحمد فؤاد، وذات مرة تجرأت "صفية" أمام الجميع فقالت: "مسكينة تلك الفتاة التى سيوقعها حظها العاثر لتصبح زوجة لهذا "الصايع"، ولم تعرف أنها هى التى ستكون هذه المسكينة".
دماء مختلطة
ويذكر حنفي المحلاوي في كتابه "الملكة نازلي.. بين سجن الحريم وكرسي العرش"، أن الملكة نازلي كانت أول فتاة من عامة الشعب تدخل إلى القصور الملكية زوجة لسطان مصر، وفتحت بذلك الباب لغيرها من فتيات مصر، حيث لحقها كل من الملكة فريدة والملكة ناريمان.
على أن أكثر المعلومات غرابة وطرافة، وأيضًا سخرية، أن الملكة نازلي تمتد جذورها التاريخية إلى الدماء الفرنسية والتركية، ذلك أن جدها الأكبر هو سليمان باشا الفرنساوي الذي هو في الوقت نفسه "الكولونيل سيف"، والذي أعلن إسلامه وتزوج من امرأة مسلمة بعدما استقر في مصر بصفة نهائية. وأن جدها الثاني لأمها هو شريف باشا أبو الدساتير المصرية الحديثة، والتركي الأصل لأنه ابن قاضي عسكر السلطنة العثمانية.
على كلٍ، حدث ما لم يمكن أن تتخيله "نازلي"، ففي 24 مايو عام 1919 عقد "فؤاد" قرانه عليها، وكان فارق العمر بينهما نحو 20 عاما، كانت هي الزوجة الثانية لـ"فؤاد"، وكان زوجها الأول، لكنها لم تكن تعيش حياة هانئة.
ويذكر محمد التابعي في كتابه "من أسرار الساسة والسياسة"، أنه سمع من رواة ثقات من أقاربها أنها أرغمت على هذا الزواج، وكانت تحب شابا من أقاربها، وكان أملها فى الزواج منه كبيرا إلى أن خطبها عظمة السلطان "أحمد فؤاد" من أبيها عبد الرحيم صبرى.
وفى اليوم المحدد لعقد القران هربت فى الصباح الباكر من قصر أبيها ولجأت إلى حبيبها، وراح الفتى يتنقل وهى معه من دار صديق إلى دار صديق خوفا من مطارديه، فقد انطلق الأقارب وسلطات الدولة كلها تبحث فى كل مكان عنها، وأخيرا أدرك الفتى ألا فائدة، وأنه قد يصيبه بطش السلطان، فأركبها حنطورا وأعادها إلى قصر أبيها فى المساء.
ويضيف "التابعى"، أنه تم عقد القران، وأصبحت "نازلى" صاحبة العظمة السلطانة، لكنها حبيسة فى القصر، عليها فى كل ردهة وكل رواق وغرفة عيون وأرصاد ولا تغادر القصر إلا بإذن، ولا تزور ولا تزار إلا بإذن.
زواج سياسي
والحقيقة أن هذا الزواج كان قراراً سياسياً قبل أن يكون قراراً عاطفياً، فقد كان "فؤاد" يريد بهذا الزواج أن يمحو الصورة السيئة التي يعرفها عنه كل الناس، كزوج شرير ومقامر لا يتورع عن ضرب وإهانة زوجته الأولى الأميرة شويكار التي تزوجها عام 1895، وتم طلاقهما بفضيحة عام 1898.
لكن رغم ذلك، ظل الأمير أحمد فؤاد بعد زواجه من "نازلي" يعيش حياة لاهية منفلتة بعيدة عن أي ضوابط.
وكانت حياة "نازلي" في ظل زواجها من الملك فؤاد سلسلة لا تنتهي من الألم والدموع والإحباطات، لكنها عاشت عن قرب كل ما كان يجري في الكواليس والدهاليز من ألاعيب السياسة ومناوراتها وفن الدسائس وتصفية الخصوم السياسيين.
وبحسب "التابعي" فإن "نازلي" كانت تقول لكل من يقابلها وتأمن جانبه: "أنا سجينة الملك فؤاد"، هكذا تصف حياتها مع زوجها.
ويمكن القول، أن «نازلي» عاشت سجينة في قصر السلطان والملك فؤاد طوال 17 سنة، لا ترى إلا النساء، ولا تخاطب إلا النساء، فقد كان الملك الذي تلقى تعليمه في أكبر جامعات أوروبا غليظاً وخشناً وفظاً، ولم يحدث أن همس في أذنيها بكلمة حب أو جملة إعجاب حتى لا ينقص من رجولته، وعندما أنجبت ابنها فاروق لم يسمح لها بتربيته أو احتضانه، بل أوكل ذلك الدور كاملاً إلى المربيات.
لذا، كان الطفل "فاروق" يخشي مربيته ولا يخشى أمه، وكان يسمع كلام المربية ولا يسمع كلام أمه، وهكذا كانت حياة نازلي الزوجة والأم والملكة طوال سنوات زواجها من الملك فؤاد.
وكان أحمد فؤاد شديد الغيرة على زوجته الشابة الجميلة، التى أصيبت من "فؤاد" بعدة أمراض ليس أقلها شأنا تقيح اللثة أو "البيورى"، ويقول "التابعى"، إنه بعد وفاة الملك عام 1936 قال له الدكتور "ستانكيفتش" الروسى الأصل وطبيب الأسنان الخاص بـ"الأسرة الملكية"، أن فى فم الملكة نازلى تسع أسنان عايمة أو ملخلخة بسبب تقيح اللثة، ولما كان يعرف أن "فؤاد" عنده نفس الداء "تقيح اللثة" سألها ذات يوم لكى يتأكد من أصل العدوى وسببها: "هل جلالة الملك يقبلك من فمك؟"، فضاقت عيناها قليلا وبدا فيها حقد وسخط قائلة: "يقبلنى فى فمى؟ أنه لا يكتفى بمجرد التقبيل".
كبت وحرمان
وبموت الملك فؤاد انطلقت "نازلي" تماماً في طريق طويل ومثير من المغامرات العاطفية لتعوض حرمان وكبت 17 سنة سجن، فأحبت ذلك الرجل الغامض أحمد حسنين، وإزاء إلحاحها وإصرارها تزوجا بعقد عرفي.
ويُقال، أن "حسنين" تمكن من إقناع الملك فاروق بهذا الزواج، لأن الملكة في حاجة إلى رجل "يشكمها"، ومع ذلك فلم يكن هناك في القصر من هو قادر على "شكم" ملكة مصر الأم.
وكان "حسنين" هو النقيض لفؤاد سلوكاً ومشاعر، وقد وصفته نازلي بعد سنوات طويلة، قائلة: "إنه الرجل الذي كان يحكم مصر وليس ابنها الملك فاروق".
وفي عز سعادة "نازلي"، وهنائها مات أحمد حسنين في حادث غامض عام 1946، وبموته ماتت في قلبها أشياء وأشياء، وسافرت مع بناتها خارج مصر وإلى الأبد.
فضائح الغربة
وفي الغربة توالت الكوارث والفضائح التي دفعت ثمنها غالياً، فطاردتها الشائعات والأقاويل والحكايات، وهناك قررت تزويج ابنتها فتحية من الشاب المسيحي رياض غالي.. وقامت القيامة في مصر لكن "نازلي" لم تتراجع.
وقامت ثورة يوليو في مصر وغادر فاروق مصر سنة 1952، وحتى وفاته عام 1956، لم يكن قد رأى أمه مرة واحدة، ولم تكن "نازلي" قد سامحته على مواقفه منها وهجومه عليها طوال سنوات. واستمرت حياة نازلي في الغربة حتى ماتت عام 1987.