رحلة تطور الجنيه المصري من العملة الذهبية إلى البلاستيكية
لا يزال التفاخر بين الأجيال يعتمد على العملة القديمة، فكم من شخص يسأل الآخر انت شوفت المليم، وكم من أحد يترحم على الزمن الجميل بأن القرش صاغ كان يعينه على صعوبات الحياة من مأكل ومشرب وسكن، وكم من الباحثين والاقتصاديين الذين يتباهون بالتاريخ القديم للعملة المصرية، وأن سعر الجنيه المصرى كان فى قمة الأسعار، وأن مصر كان مقصدا للباحثين عن الاقتراض، وغيرها من الروايات التى لا تزال عالقة فى قلب التاريخ، والجنيه المصرى بشكله وصورته الحالية كانت له أطوار عديدة فلم يظهر هكذا وإنما أخذ سنوات وسنوات تطور خلالها من حيث الشكل والمادة المصنع منها، حتى الصورة الحالية له، ويتردد أنه سيتم صنع عملات جديدة من مواد بلاستيكية للحفاظ على العملة من التلف .. "الموجز"، تعرض خلال السطور التالية تاريخ تطور العملات المصرفية فى السوق المصرى، من حيث القيمة والشكل .
فى البداية تؤكد المخطوطات التاريخية فى علوم الاقتصاد والتجارة أن أول إنتاج للعملة المصرية المعدنية كان في عام 1834 عندما أصدر محمد على باشا، مرسومه بإصدار عملة مصرية جديدة، تقوم على النظام ثنائى المعدن وهما الذهب والفضة، حيث أصدر المرسوم باعتبار الريال أبو طاقة "المثقوب"، والمصنع من الفضة هو وحدة النقود، وقيمته 20 قرشًا، كما تم صنع أول جنيه مصرى معدنى عام 1836 وطرح للتداول، وتم إصدار الجنيه ليحل محل العملة الرئيسية المتداولة خلال هذه الفترة وهى القرش، وواصل القرش تداوله بحيث يمثل 1/100 من الجنيه، والذى تم تقسيمه إلى 40 بارة، وفى عام 1885 تطورت الأمور بوقف إصدار البارة، وتمت إعادة تقسيم القرش إلى 10 أجزاء سميت وقتها بالعشرة قروش، حتى تم تغيير الاسم فى عام 1916 إلى مليم.
وفى عام 1899 أصدر الخديوى عباس حلمى الثانى، فرمانه بإصدار عملة الجنيه المصرى فى صورة سندات ورقية تصدر عن البنك الأهلى المصرى، وتحمل تعهدا بصرف قيمة تلك العملات من الذهبية عند الطلب، وتم تقسيم الجنيه إلى 100 وحدة أطلق عليها اسم القرش وكانت تختلف عن القرش العثمانى المقسم إلى 40 بارة، حيث تم تقسيم القرش إلى 10 وحدات أطلق عليها اسم المليم، فيما تم إلغاء التعامل بالبارة والقرش العثمانى والعملات الأجنبية الأخرى داخليا، وصدرت العملة الجديدة من فئات (25 قرشا، و50 قرشا، وجنيه واحد، و5 جنيهات، و10 جنيهات، و100 جنيه).
وفى عام 1914 تم إصدار مرسوم يمنح الجنيه المصرى قوة إبراء كاملة ويحرره من قابليته للصرف بالذهب، ليرتبط بالجنيه الإنجليزى الإسترلينى بقيمة 0.975 من الجنيه المصرى، وتم إلغاء الجنيه الذهب، والامتناع عن تداوله فى البنوك، وتدخل القانون المصري لتثبيت سعر الصرف الرسمي مع العملات الأجنبية المهمة، وهذا أعطاه قبولا في المعاملات الداخلية، حيث كانت قاعدة الذهب أساس تقييم الجنيه المصري، وكان الجنيه المصرى يزن بنحو 7.4375 جراما من الذهب، واستخدم هذا المعيار فى الفترة ما بين عام 1885 وحتى اندلاع الحرب العالمية الأولى في عام 1914، وظل الجنيه المصري مرتبطًا بالجنيه الإسترليني حتى عام 1962، حيث تم اتخاذ قرار بربطه بالدولار، وذلك بسبب تحولات النظام العالمي الذي شهد تراجع المكانة الاقتصادية لبريطانيا وصعود الولايات المتحدة لتحل محلها.
وشهد عام 1961 إنشاء البنك المركزى المصرى بقرار من الرئيس جمال عبد الناصر، واعتباره كيانا مستقلا وبنك رسمي للحكومة المصرية، وتم إسناد طباعة النقد المصرى له بدلا من البنك الأهلى، وإلغاء التعامل بكل العملات السابقة بكل فئاتها واعتبارها عديمة القيمة، وتم إصدار جديد ليحل تدريجيا محل العملات القديمة مع الاحتفاظ بنفس الفئات والقيم للعملة (الجنيه = 100 قرش = 1000 مليم).
وفى حقبة السبعينيات والثمانينات تم إصدار عملات ورقية بشكل جديد فئة 10 جنيهات و100 جنيه لتسهيل التعامل بالأسواق، وتماشيا فى سياسات الانفتاح، وفى التسعينيات، اتخذ الجنيه المصرى شكله الحالى المعروف، وتم إصدار عملة ورقية بشكل جديد من فئة 50 جنيها عام 1993 وأخرى لفئة 200 جنيه عام 2007.
وفى الفترة من عام 2011، وحتى الآن تم إلغاء التعامل بالجنيه الورقى رسميا ليتم التعامل بالجنيه الفضى مع احتفاظ التعامل بكافة العملات الورقية الأخرى، ليعود مرة أخرى فى أغسطس 2016 مع انخفاض قيمة الجنيه أمام الدولار الأمريكى بنسبة كبيرة، ويتردد أن الفترة المقبلة ستشهد طرح الجديد من العملات المصنعة من المواد ذات الصلة بالبلاستيكات للحفاظ عليها من الإتلاف.