جدل في تونس بعد خطاب مبهم لرئيس الجمهورية
أثارت كلمة الرئيس التونسي، قيس سعيد، التي ألقاها الخميس المنقضي عقب اجتماع المجلس الأعلى للجيوش والقيادات الأمنية بقصر قرطاج جدلا واسعا في الأوساط السياسية في تونس، حيث حذر من خطورة ما يجري بخصوص سعي البعض إلى "تفجير الدولة من الداخل" عبر ضرب مؤسساتها ومحاولات تغييب سلطتها بعدد من المناطق.
مصطلحات رئيس الجمهورية مبهمة
قال المحلل السياسي، بولبابة سالم، في تصريح لوكالة "سبوتنيك"، إن مصطلحات رئيس الجمهورية قيس سعيد كانت مبهمة، خاصة في علاقة الأطراف التي يصفها بالخطر على الدولة مثل "المؤامرات" و "الغرف المظلمة" و "مشاريع الشهادة" وهي مصطلحات حربية تأتي من القائد الأعلى للقوات المسلحة التونسية.
وأشار سالم إلى أن الشعب التونسي كان يترقب خطاب طمأنة في هذا الظرف الاستثنائي الذي تعيشه تونس ويرغب كذلك في معرفة الحقيقة ومن هي الأطراف التي تتآمر على أمن تونس.
ما يحدث في رمادة خطير
وقال بولبابة سالم إن ما يحدث في المنطقة الحدودية رمادة من محافظة تطاوين أقصى جنوب البلاد مقلق لأن المناوشات التي جدت بين المتظاهرين والجيش الوطني تحدث لأول مرة، والجيش مكلف بحماية الحدود مع ليبيا التي تعيش وضعا متفجرا لذلك حذر رئيس الجمهورية من مغبة إقحام المؤسسة العسكرية في متاهات الصراعات الداخلية والاحتكاك بالمحتجين.
وبين المحلل السياسي أنه كان ينتظر من رئيس الجمهورية مبادرة شجاعة يمارس من خلالها دوره الذي انتخبه من أجله الشعب وهو منع تعامل الأطراف الداخلية مع الخارج باعتبارهم "خونة" والأمر بإيقافهم و إحالتهم للعدالة مثلما أشار لذلك في عديد من الخطابات السابقة و بذلك تكون الرسالة قوية للداخل والخارج.
مخالفة الدستور
من جهته، قال الناشط السياسي ورئيس مكتب رئيس الجمهورية السابق، محمد المنصف المرزوقي، عدنان منصر، أنه لا وجود لهيكل دستوري أو قانوني تحت مسمى "المجلس الأعلى للجيوش و القيادات الأمنية" وإنما هناك هيكلين فقط هما "مجلس الأمن القومي" الذي يضم في تركيبته القيادات العسكرية والأمنية ورئيس البرلمان ورئيس و"المجلس الأعلى للجيوش" الذي يشمل فقط قادة الجيوش الثلاث ورئيس الاستعلامات العسكرية والمتفقد العام للقوات المسلحة ومدني وحيد هو رئيس الجمهورية بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة.
وأشار منصر إلى أن الغرض من تركيبة الاجتماع الذي أشرف عليه رئيس الجمهورية قيس سعيد هو تغييب رئيس البرلمان راشد الغنوشي في شكل من أشكال التصعيد في العلاقة بينهما إذ يفترض أن يشتغلا معا في حل الإشكالات لا سعي كل طرف منهما إلى تغييب الآخر وهو ما ينبأ بأزمة جديدة صلب مؤسسات الدولة.
كما أوضح منصر أن على رئيس الجمهورية أن يلعب دورا فعالا في تهدئة الأوضاع والأجواء، باعتباره رئيسا لكل التونسيين ومتمتعا بشرعية انتخابية واسعة ولا أحد غيره في الوضع الراهن قادر على ذلك.
تنافر المسار الخطابي مع الخطاب التنفيذي
وتساءل الناشط السياسي متحدثنا عن صمت الأحزاب السياسية تجاه خطورة ما نبه منه رئيس الجمهورية أثناء الاجتماع بالقيادات العسكرية والأمنية و عدم التعليق أو التفاعل معه مرجحا احتمالين اثنين إما أن الأحزاب حملت كلامه محمل الجد أو أنها تحتاج إلى تفاصيل أكثر لم تحصل عليها، مضيفا أن تونس تخضع لقانون حالة الطوارئ و فيه إجراءات تمكن رئيس الجمهورية من مراقبة أفضل للوضع .
و ختم عدنان منصر بالقول إن "الإشكال يبقى في تواتر تصريحات الرئيس بوجود مخاطر حقيقية على الدولة وهو ما يدل على اقتناعه التام بها غير أنه لم يفعل أي شيء يتماشى مع خطورة ما صرح به وهناك تنافر بين المسار الخطابي والمسار التنفيذي في كلام رئيس الجمهورية".
وكان الرئيس التونسي حذر من خطورة ما يجري بخصوص سعي البعض إلى "تفجير الدولة من الداخل" عبر ضرب مؤسساتها ومحاولات تغييب سلطتها بعدد من المناطق.
ولفت إلى أن من بين المخاطر الموجودة اليوم هي محاولة الزج بالمؤسسة العسكرية في الصراعات السياسية، واستدراجها بهدف الدخول معها ومع بقية المؤسسات الأخرى في مواجهة، لافتا إلى أن المؤسستين العسكرية والأمنية نأت بنفسها عن كل الصراعات السياسية.
وأضاف أن ما حصل في اليومين الأخيرين في الجنوب غير مقبول بكل المقاييس.
وأعرب رئيس الدولة عن يقينه بأن التونسيين عموما ومنهم أهالي رمادة وتطاوين، لهم من الحكمة وبعد النظر ما يجعلهم قادرين على تهدئة الأوضاع وتغليب المصلحة العليا للبلاد ووضعها فوق كل اعتبار.
وأشار إلى مشروعية الاحتجاجات مادامت سلمية وفي إطار احترام القانون والمؤسسات.