في ذكري استشهاده.. تعرف علي حكاية اللص الذي تحول لقديس
تحيي الكنيسة القبطية الأرثوذكسية غداً، ذكري استشهاد القديس الأنبا موسى الأسود، الذي يعتبره المسيحيون رمزًا للقوة والأمل، حيث كان منغمسًا في الخطايا ثم أصبح قديسًا.
ولد موسى الأسود، الذي اكتسب هذا اللقب نظرًا للون بشرته السمراء، في الفترة ما بين 330 و340 ميلاديًا، في النوبة بمصر، وكان عبدًا لأحد الشرفاء، وكان قوي البنية الجسدية، لكنه لم يراعي وظيفته وتمادى فى ارتكاب الآثام وجلب المشكلات، حتى تشاجر مع أحد الأشخاص وقتله، الأمر الذي دفع سيده إلى طرده.
اشتهر موسى بسمعة سيئة، حتى قيل عنه -وفقًا للرواية المسيحية- أنه لم يترك خطية ولم يرتكبها، فكان يقتل ويسلب ويشرب الخمر بكثرة، ويعتدي بالضرب والإهانة من غير تفريق بين رجل أو امرأة أو شيخ أو طفل.
بعدما طرده سيده من داره، نصّب نفسه قائدًا على عصابة مكونة من 70 لصًا وقاطع للطريق، وكانوا ينفذون أوامره، فيقطعون الطرق وينهبون الناس، ويسرقون ممتلكاتهم ويأسرون النساء كغنائم، وكان كثيرًا من الآسرى مسيحيين، كان يسمعهم وهم يصلّون ويراهم يتحدثون عن عقيدتهم، بينما هو يصلي للشمس التي لم تكن تستجيب له.
ذات يوم أخذ يحدث الشمس ويطلب منها أن تثبت له إذا كانت إلهًا حقيقيًا أم لا، فظهر بجانبه أحد الفلاحين في الحقل يرشده إلى برية شيهيت -منطقة وادي النطرون حاليًا- وهناك سيتمكن من لقاء الرهبان ومعرفة الحقيقة، وبالفعل ذهب إلى برية شيهيت والتقى القديس "إيسيذورس"، حيث أخذ يطلب منه رغبته في معرفة الله باكيا وهو يقف بملابس عمله كقاطع طريق وحاملًا سلاحه، فطلب منه الأب أن يتخلى عن سلاحه ويدخل الكنيسة.
اصطحب القديس "إيسيذورس" موسى الأسود إلى الأنبا مقار، حيث طلب منه موسى أن يصير راهبًا وذلك بعد بكاء كثير، نادمًا على ما ارتكب في حياته من خطايا، لكنه شرح له متاعب حياة الرهبنة، وقال له: "الأفضل لك يا بُنى أن تذهب إلى أرض مصر لتحيا هناك"، لكنه ظل ثابتًا ومُصرًا على قراره، وأمام إصراره أرسله إلى القديس مقاريوس الكبير أب برية شيهيت.
نال "موسى الأسود" المعمودية، واعترف بخطاياه، وذهب مع قس ألبسه إسكيم الرهبنة، ناصحًا إياه بعدم ترك البرية، وأنه حينما يتركها فسيعود إلى كافة خطاياه. فسكن "الأسود" مع إخوته الرهبان في البداية، لكنه طلب الانعزال في قلاية منفردة؛ رغبة منه في ممارسة الجهاد الروحي، لكنه عانى بشكل متواصل من الشهوات، وكادت ان تغلبه الشهوات على أمره لولا وقوف أحد الآباء بالبرية إلى جانبه، فتشجع وعاد حيثما بدأ.
دأب موسى الأسود في انهاك جسده القوي بالوقوف في الصلاة والصوم، وكان كان يطوف ليلًا بقلالي الرهبان الشيوخ ويأخذ جرارهم ويملأها ماءًا من أجل قمع جسده؛ حيث كانت قلاياتهم تبعد عن المياه مسافة أميال.
رسم -رُقيَ- قسًا بمدينة الإسكندرية بيد البابا ثيؤفيلس البطريرك الـ23 للكنيسة القبطية الأرثوذكسية، بعدما وضع تحت اختبارات عديدة قصد من خلالها الكهنة إهانته واختبار إيمانه ومدى استحقاقه لهذا اللقب، لكنه نجح في ذلك.
في أحد الأيام، ما بين الأعوام 392 و400، كان الأنبا موسى يجلس وسط أخوته الرهبان، فإذ بأحدهم يقول "انظروا إن البرابرة سيأتون اليوم إلى الإسقيط فقوموا واهربوا"، فرفض موسى الهروب قائلًا: "منذ سنوات وأنا منتظر هذا اليوم". فآبى الرهبان أن يتركوه وحده عدا واحدا قام واختبأ، خلف سعف أحد النخيل، وشهد على الحادث بأكمله، حيث دخل البرابرة وقتلوا 7 رهبان، كان من بينهم القديس موسى القوي، عن عمر ناهز الـ75 عامًا.