اسرار وحكايات الخيانة والقتل في شارع مراد
يعد شارع مراد ـ طه حسين حالياً ـ الذي يقع في حي جنوب الجيزة، من أشهر وأقدم الشوارع بمحافظة الجيزة، حيث يحفل تاريخه بالكثير من الأسرار والحكايات أبرزها مجموعة من التناقضات ارتبطت باسم الشارع وما يحمله من معالم بداخله.
ترجع تسمية الشارع إلي مراد بك المصري المملوكي الجركسي الأصل زعيم سلاح الفرسان والحاكم المشترك لمصر مع إبراهيم بك وهو من مواليد 1750م وتوفي في 1801.
"الخائن الجركسي"
حفلت مسيرة "مراد بك" بالكثير من قصص الخيانة ، فسيده محمد بك أبو الدهب خان أستاذه علي بك الكبير، ثم انتهى حكم مصر مشتركًا بين مراد وإبراهيم بتصديق من العثمانيين.
كانت الموائمات هي العامل الأساسي في علاقة مراد وإبراهيم بالعثمانين، فتركيا حاربتهما وأعطتهما ملك الصعيد الجواني من برديس والبلينا في سوهاج حتى النوبة، ثم اتحد مراد وإبراهيم ضد العثمانيين واستردا منصب شيخ البلد.
وعندما دخل الفرنسيون مصر تحالف معهم وبدأت المراسلات بين كليبر ومراد بك، وانتهت باجتماعهما في الفيوم حيث اتفقا على أن يحكم مراد بك الصعيد باسم الجمهورية الفرنسية.
وتعهد كليبر بحمايته إذا تعرض لهجوم أعدائه عليه، وتعهد مراد بك من جانبه بتقديم النجدة اللازمة لمعاونة القوات الفرنسية إذا تعرضت لهجوم عدائي أيًا كان نوعه، وأن يمنع أي قوات أو مقاتلين من أن يأتوا إلى القاهرة من الصعيد لمحاربة الفرنسيين، وأن يدفع مراد لفرنسا الخراج الذي كان يدفعه من قبل للدولة العثمانية، ثم ينتفع هو بدخل هذه الأقاليم.
وكانت قمة خيانة مراد بك بحق أثناء ثورة القاهرة الثانية، حيث شارك في عمليات القتال ضد المصريين، ومنع عن القاهرة الإمدادات الغذائية التي كانت ترد إليها من الصعيد ومن الجيزة، فيُذكر أنه قد صادر شحنة من الأغذية والخراف تقدر بأربعة آلاف رأس كانت آتية من الصعيد لنجدة أهل القاهرة، وقدمها هديةً إلى كليبر والجيش الفرنسي، وكادت القاهرة تسقط في مجاعةٍ حقيقية.
ومن مكانه في الصعيد، أخذ مراد بك يتابع الموقف في القاهرة والإسكندرية بدقة شديدة، وبدأ يرى بعينيه نهاية الحملة، واقتنع بضعف الفرنسيين أمام الإنجليز. ولأنه لا يستطيع أن يعيش بلا خيانة، فقد اتصل مراد بالإنجليز، ونجحت مفاوضاته معهم بالفعل، وأعلن الإنجليز أنهم سيصفحون عن كل ما ارتكبه مراد إذا ما انضم إلى الإنجليز في المعركة الأخيرة التي كان يجري التحضير لها لإنهاء وجود الحملة في مصر. وهكذا أبدى مراد استعداده التام للانضمام إلى الإنجليز ومحاربة الفرنسييين.وبدا أن مراد بك يغير انتماءه في سرعة كما يغير الواحد منا قميصه في يوم صيفي حار. وكانت انتماءات مراد كلها لمصلحته ولم تقترب قط من مصلحة المصريين.
وفي ذروة سعادته بأنه نجح في أن يلعب على الجانبين الفرنسي والإنجليزي بنجاح، كان المرض القاتل ينتظره. فقبل نشوب المعركة الأخيرة بين الإنجليز والفرنسيين، أصاب الطاعون مراد، ومات به في 22 أبريل عام 1801 ودفن في سوهاج.
" سر التناقضات"
يرتبط بشارع مراد بثلاث تناقضات سواء في اسمه أوالشوارع المتفرعة منه، أولها أن اسم الشارع منسوب إلى أحد أبرز زعماء المماليك الذين حاربوا نابليون ثم خانوا مصر لصالح فرنسا وخانوا فرنسا لصالح الإنجليز.
وفي آخر نفس الشارع يوجد امتداد لأبرز زعماء فرنسا الذين سحقوا المماليك في الجيزة وهو شارل ديجول.
ثاني تناقض أن إيبارشية الكنيسة القبطية في الجيزة مبنية على حدود شارع يافع بن زيد أحد أفراد قبيلة يمنية كانت مع الجيش الإسلامي في فتح مصر.
بقي التناقض الثالث والأبرز في شارع مراد يمس شهرة مصر في محبتها لكل أفراد آل البيت، فالمحروسة التي استقبلت السيدة زينب بعد واقعة كربلاء بعد قتل آل البيت على يد الدولة الأموية في عهد يزيد بن معاوية، هي نفسها المحروسة التي خلدت اسم الوالي الأموي قرة بن شريك زمن الوليد بن عبدالملك، والذي يختلف على عدله المؤرخين.
المآسي نفسها كانت العنوان الأبرز لحياة أبرز المشاهير الذين سكنوا في شارع مراد، فعند شارع قرة بن شريك المتفرع منه وقعت جريمة قتل المخرج نيازي مصطفى.
أما أبو الحسن بن رضوان الطبيب المصري الشهير زمن الفاطميين والذي على اسمه شارع متفرع من مراد فقد مات مجنونًا كمدًا بعد خيانة ابنته بالتبني له حين سرقته أيام المجاعة التي حلت في مصر زمن المستنصر الفاطمي وعُرِفت باسم الشدة المستنصرية.