سرت الليبية.. لماذا لن يسمح الجيش المصري بوقوعها فى قبضة مليشيات أردوغان ؟
تحولت أنظار العالم لمدينة سرت الليبية منذ ان صرح الرئيس عبد الفتاح السيسي بالأمس بأنها خط أحمر لن يسمح بالمساس به وأعطي تعليمات للجيش المصري بالاستنفار والاستعداد لمهمة داخل مصر وخارجها.
وتزايدت التساؤلات بشأن أهمية هذه المدينة من كافة النواحي، ولماذا تشكل كل هذه الأهمية للقاهرة؟
وهنا يوضح الخبير العسكري المصري اللواء سمير راغب لقناة روسيا اليوم إن محور مدينة سرت الليبية يمثل المدخل الرئيسي لمنطقة الهلال النفطي الليبي ذات الأهمية الاستراتيجية.
وأشار الخبير في تصريحاته إلى أن هذه المنطقة تمثل المصدر الرئيسي للنفط وفيها موانئ تصديره، بحد متوسط 900 ألف برميل يوميا، مقابل 30 ألف برميل في الغرب، وسيطرة ميليشيات الوفاق على الهلال النفطي يجعلها تسيطر على معظم إنتاج النفط.
وأشار إلى أن تسليم سرت سيؤدي إلى تسليم مقدرات الشعب الليبي للمحتل التركي ومرتزقته، مع إمكانيه تصعيد التدخل والحشد العسكري للوصول إلى مناطق سيطرة الجيش الوطني الليبي في الشرق والوسط والجنوب وصولا إلى الحدود المصرية.
وأكد أن تأمين خط (سرت -الجفرة)، يؤمن أهم قاعدة عسكرية وأهم مصادر النفط ويؤمن أيضا شمال الوسط والوسط والجنوب ومناطق شرق ليبيا وصولا للحدود المصرية، ويمهد الطريق بنقطة انطلاق لاستعادة الأوضاع، وصولا لاستعادة السيطرة على العاصمة وحتى حدود تونس وطرد القوات المعتدية والمرتزقة.
ومن الناحية الاستراتيجية تحظى معركة السيطرة على مدينة سرت وسط ليبيا باهتمام كبير داخل البلاد وخارجها، كونها نقلة حقيقية في النزاع الليبي المتقد منذ سنوات.
فدخول قوات الوفاق إليها، يعني نقل المعركة من الغرب إلى داخل قواعد الجيش الوطني شرقاً، وهذا إن حدث سيغير تماماً قواعد اللعبة، ويدفع لاعبين جدد للتدخل على رأسهم مصر، حيث تعد واحدة من أهم المناطق في خريطة النزاع الليبي، لامتلاكها ميزات جيوستراتيجية، وتاريخية، واقتصادية عدة، فهي تقع في منتصف المسافة تماماً، بين عاصمتي النزاع الليبي بنغازي، وطرابلس، حيث تبعد عن كليهما مسافة 500 كيلو متر، وهي حلقة الوصل بين شرق ليبيا، وغربها، وجنوبها.
ومن الناحية التاريخية، سرت هي مسقط رأس الرئيس السابق لليبيا معمر القذافي، ولد فيها وقتل، وعمل لسنوات على تهيئتها لتكون عاصمةً للبلاد، وضخ فيها لتحقيق هذا الحلم مليارات الدولارات لتحسين بنيتها التحتية، وإنشاء مقرات حيوية، ويكفي أنها المدينة التي أعلن فيها تأسيس الاتحاد الأفريقي عام 1999، من القرن الماضي.
وتتمتع سرت بميزة أخرى إضافة إلى ما سبق، كونها خط الدفاع الأخير، عن الهلال النفطي الليبي، الذي يحوي أهم أربعة موانئ نفطية في البلاد، التي تصدر 80 في المئة من النفط الخام، الذي تنتجه ليبيا يومياً، وهذه الموانئ هي "رأس لانوف والبريقة، والسدرة، والزويتينة ".
لا يفصل هذه الموانئ عن مدينة سرت، سوى 150 كيلو متر باتجاه الشرق، ما يفسر الاستماتة في الدفاع عنها، والهجوم عليها في المعركة الحالية من الطرفين ، فسقوطها يفتح أبواب المنطقة التي تمثل عماد الاقتصاد الليبي، وشريانه الرئيس .
وتكمن أهمية المنطقة الممتدة من سرت إلى الهلال النفطي في الصراع الحالي، في احتوائها على الجزء الأكبر من الثروة النفطية الليبية، ما عبّر عنه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في تصريحات تلفزيونية، بقوله "إن مدينة سرت ومحيطها مهمة لوجود آبار النفط، وبعد ذلك ستكون العمليات أكثر سهولة، لكن وجود آبار النفط والغاز يجعل هذه العمليات حساسة".
إضافة الى كل المزايا الاستراتيجية السابقة لسرت، التي تمنحها أهمية كبرى في الصراع الليبي، اكتسبت السيطرة على المدينة مزايا جديدة، بعد التحولات الأخيرة في المشهد الليبي، حتى باتت كلمة الفصل، في حسم جزء كبير من النزاع الحالي.
على رأس تلك التحولات، مبادرة القاهرة التي رسمت ضمنياً خطاً أحمر غرب سرت، لا يمكن السماح بتجاوزه، بالنسبة إلى الأطراف الثلاثة التي أطلقت المبادرة، الحكومة المصرية، والبرلمان والجيش الليبيين.وهو ما عبر عنه السيسي بوضوح في خطابه بالأمس
ويبيّن الباحث والأكاديمي الليبي فرج الجارح، في حديث لـ "اندبندنت عربية" خطر سقوط سرت بالنسبة إلى الأضلاع الثلاثة لمبادرة القاهرة، قائلاً إن "مصر من جانبها ترى في تجاوز سرت من قبل قوات الوفاق، خصوصاً بعد تحالفها العسكري مع تركيا، توغلاً في العمق الاستراتيجي للأمن القومي المصري، الممثل في إقليم برقة أو المنطقة الشرقية من ليبيا".
ويضيف "حساسية هذا الأمر بالنسبة إلى القاهرة، دفعها لتحريك جيش جرار على الحدود الليبية للتعامل مع هذا المنعطف الخطير لو وقع، حماية لأمنها".
ويشير إلى أن "الجيش والبرلمان الليبيين من جهتهما، ينظران إلى توغل قوات الوفاق لما بعد سرت دخولاً إلى قواعدهما الرئيسة، وخسارة معركتهما الطويلة، ونهاية فصولها من حيث بدأت، في الشرق الليبي، ولذلك سخّر الجيش كل ما يملك من إمكانات عسكرية، للدفاع عن المدينة