”المؤسس عثمان ” و”قيامة أرطغرل” ..مؤامرة تركيا لاستكمال ”خطة ” غزو العالم العربى

الموجز

الدراما هي القوة الناعمة التي يستخدمها البعض في خدمة أغراضه واتجاهاته، أو حشد البعض لاتجاه وسلوك معين، عن طريق التأثير في وجدانه بطريقة غير مباشرة، وهذه الطريقة تستعملها تركيا لتحسين صورتها بين شعوب المنطقة، حيث يحاول النظام التركي، التسويق لبلاده بكل طريقة وحيلة، حتى أنه لجأ لتزييف التاريخ مستغلًا "دراما مخصوص" لتحقيق أهدافه عن طريق استغلال الدراما سياسيًا.

في ما مضى عبرت المسلسلات التركية إلى المشاهد العربي عن طريق مسلسلات رومانسية، وذلك بعد دبلجتها إلى العربية، مما حول إنتاج المسلسلات التركية الموجهة للعرب إلى تجارة تربح منها تركيا مليارات الدولارات، وكانت نقطة التحول في استخدام الدراما لخدمة أهداف سياسية بعد تفرد حزب العدالة والتنمية بالحكم، وهو ما ظهر في تصريحات الرئيس أردوغان الذي انتقد بعض المسلسلات بسبب أنها أظهرت الخليفة بصورة بعيدة عن الصورة الأسطورية والمثالية التي يحاول الفن الموجه والمسيس توصيلها.

وتحاول تركيا في السنوات الأخيرة التركيز على المسلسلات التاريخية، لتعيد رسم الصورة الذهنية للمواطن العربي عن الاحتلال العثماني سيء الصيت، واستبدالها بصورة أخرى مثالية، تجعل المواطنين العرب يحنون إلى تلك الأيام التي ساد فيها الأتراك عليهم لمدة أربعة قرون، ونهبوا خيراتهم، فتفشى الفقر بين العرب، وسادت الأمية، ودفع العرب وحدهم فاتورة الحروب التركية العبثية بعد هزيمتها في الحرب العالمية الأولى، ورغم ذلك لا تزال تركيا تحلم بإعادة الكرة، للاستحواذ على الأمة العربية، من خلال قوتها الناعمة، وأبرزها المسلسلات التاريخية، التي تطرح انطباعات مزيفة عن جرائم العثمانيين وتاريخهم الدموي عوضًا عن تزييف التاريخ وتغيير الحقائق لتحقيق أطماع النظام التركي الحالي من خلال "اختراع" تاريخ آخر للعرق التركي والدولة العثمانية.


"قيامة عثمان بن ارطغرل"، وهو اسم أحدث المسلسلات التاريخية التركية التي تعرض حاليًا وتحقق ملايين المشاهدات، وتصبح كل حلقة له "تريند" على منصات البحث العربية، وهذا المسلسل لم يكن الأول فالسلسلة بدأت مع حريم السلطان، ثم السلطان عبد الحميد، وبعده السلطان مراد، وأرطغرل.. وغيرها من الأعمال التي وإن اختلفت مواضيعها والأزمنة التي تسلط الضوء عليها إلا أنها دومًا ما تتفق على هدف واحد، وهو إبراز عظمة شجرة السلالة العثمانية منذ أن بدأت، بل والتمجيد في أجداد مؤسسيها.


هذه المسلسلات التركية بصفة عامة دائمًا ما تحاول اللعب على وتر التأثير على مشاعر المشاهدين برؤية السلطان في صورة أشبه بالخلفاء الراشدين، وهو الأمر الذي يظهر واضحًا منذ اللحظة الأولي لمشاهدة مسلسل ارطغرل والد السلطان عثمان مؤسس الدولة العثمانية، والذي عرض قبل مسلسل المؤسس عثمان مباشرة، وكأنها خطة واضحة تحاول فيها الدراما التركية جعل المشاهد يتحسر علي أزمنة هؤلاء العظماء ممن ينتسبوا لدولة عثمان، وذلك دون أن تبرز أيًا من تلك الأعمال أي دور واضح من الخلافة الإسلامية الموجودة وقتها بالفعل في مصر من خلال دولة المماليك، التي كانت تتمتع بقوة كبيرة ونفوذ قوي، إلا أن تلك الأعمال يظهر فيها ارطغرل وعثمان وكأنهما كانا يحاربا وحدهما ضد من يحاولوا التغلب على دولة الإسلام سواء كان ذلك في الشرق من المغول أو الشمال كالصليبين.


وهو الأمر الذي يبدو مقصودًا بشكل كبير من صناع العمل سواء الذي تناول قصة حياة عثمان بن أرطغرل، والتي ظهر فيها بصورة أشبه بالبطل الخارق الذي لا يتأثر بإصابات ويحارب رغم تعرضه لإصابة شديدة في يده ليس لها علاج بعدما تعرض للصلب.


وقبل "المؤسس عثمان" كان يعرض "قيامة أرطغرل"، وهو المسلسل الذي أكثر الرئيس أردوغان من الثناء عليه، بل وزار مواقع التصوير فيه، وبعد أن تشاهده ستكتشف كم التزوير الموجود في ذلك المسلسل، بالإضافة إلى حجم الأطماع التي تراود حكام تركيا تجاه الأرض العربية، ونظرتهم الدونية للتاريخ والمواطن العربيين.

فهذا العمل الذي لاقى نجاح شعبية في أوساط المشاهدين العرب بعد دبلجته، وتجاوزت حلقاته 120، لم يسلط الضوء على أي دور إيجابي لأي مواطن عربي، على الرغم من أن بعض أحداثه تدور على أراض عربية، مثل مدينة حلب السورية، التي صورها المسلسل على أنها مدينة منهكة، وحكامها أشرار، على الرغم من أن حلب كانت قلعة صامدة في وجه الحملات الصليبية.

ونجد أن المسلسل قائم على تمجيد قبيلة "القايي" التي ينتمي إليها بطل القصة أرطغرل، الذي لم يغفل عن الدعوة إلى القومية التركية بشكل أعم، مع تبخيسهم للأعراق الأخرى، كالعرب والأكراد وغيرهم من الشعوب الإسلامية، خصوصًا الدولة اﻷيوبية التي تصدت للحملتين الصليبيتين الخامسة والسادسة وقامت بدحرهما، بينما عرض المسلسل أن قبيلة القايي هي التي ردت ذلك الغزو، في افتراء على التاريخ، بسبب كره الأتراك للدولة الأيوبية ذات العرق الكردي، ونسب إلى قبيلة القايي الصغيرة كل أمجاد تلك الدولة سواء في حلب أو في معركة القلعة، ومن صور التزوير المهمة والتي لا تبدو كخطأ عابر، قولهم في المسلسل بأن الطبيب الفيلسوف ابن سينا كان تركيًا، بينما كان فارسيًا.

يضاف إلى ذلك تجاهلهم التام لدور العرب وللخلفاء العباسيين، والتقليل من شأنهم، والكذب على قاضي حلب العربي "ابن شداد"، الذي أظهره المسلسل في دور القاضي المرتشي، بينما شهد التاريخ المكتوب بصلاحه واستقامته وقربه من صلاح الدين الأيوبي، وفي الوقت الذي عمل صنّاع المسلسل فيه على إظهار الأتراك بصورة ملائكية، أظهر غيرهم في صورة المرتشي أو الجبان، مثلما فعلوا مع حاكم حلب الأيوبي.

الخلاصة أن هذه المسلسلات حولت الخيال الدرامي إلى حقائق تاريخية، وذلك من أجل توصيل رسالة أن الأتراك هم الذين حموا العالم الإسلامي من الصليبيين والمغول، وهو ما يتناسب مع طموح الرئيس أردوغان في إظهار نفسه على أنه سلطان الدول الإسلامية، في الوقت الذي يعترض الكثير من العرب على سياسته وما يقوم به.

تم نسخ الرابط