آخر وصايا الرسول صلى الله عليه وسلم
في مثل هذا اليوم من عام ٦٣٢ م خرجت روح الرسول الكريم سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم إلي بارئها، بعد أن اتمم الرسالة وعم النور للبشرية كلها، و نزل قول الله عز وجل “اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا”، والتي قالها الرسول في خطبة الوداع في الحجة الأخيرة للرسول، فبكى أبو بكر الصديق عند سماعه هذه الآية، فقالوا له: ما يبكيك يا أبا بكر إنها آية مثل كل آية نزلت على الرسول، فقال: هذا نعي رسول الله.
وعاد الرسول وقبل وفاته بـ٩ أيام ونزلت آخر آية من القرآن “واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون”.
وبدأ الوجع يظهر على الرسول فقال: أريد أن أزور شهداء أحد فذهب الى شهداء أحد ووقف على قبور الشهداء، وقال: (السلام عليكم يا شهداء أحد، أنتم السابقون وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، وإني إن شاء الله بكم لاحق)، وأثناء رجوعه من الزيارة بكى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
وعاد الرسول وقبل الوفاة بـ٣ أيام بدأ الوجع يشتد عليه وكان في بيت السيدة ميمونة فقال: (اجمعوا زوجاتي)، فجمعت الزوجات فقال النبي: “أتأذنون لي أن أمرض في بيت عائشة؟” فقلن: نأذن لك يا رسول الله، فأراد أن يقوم فما استطاع فجاء علي بن أبي طالب والفضل بن العباس فحملا النبي وخرجا به من حجرة السيدة ميمونة الى حجرة السيدة عائشة فرآه الصحابة على هذا الحال لأول مرة.
فبدأ الصحابة في السؤال بهلع: ماذا أحل برسول الله ماذا أحل برسول الله، فتجمع الناس في المسجد وامتلأ وتزاحم الناس عليه، فبدأ العرق يتصبب من النبي بغزارة، فقالت السيدة عائشة: لم أر في حياتي أحداً يتصبب عرقاً بهذا الشكل.
فتقول: كنت آخذ بيد النبي وأمسح بها وجهه، لأن يد النبي أكرم وأطيب من يدي، وتقول: فأسمعه يقول: “لا اله إلا الله، إن للموت لسكرات”، فتقول السيدة عائشة: فكثر اللغط (أي الحديث) في المسجد إشفاقاً على الرسول، فقال النبي: “ما هذا؟”، فقالوا: يا رسول الله، يخافون عليك، فقال: “احملوني إليهم”.
وكانت آخر خطبة لرسول الله وآخر كلمات له، فقال النبي: (أيها الناس، كأنكم تخافون علي)، فقالوا: نعم يا رسول الله، فقال: (أيها الناس، موعدكم معي ليس الدنيا، موعدكم معي عند الحوض والله لكأني أنظر اليه من مقامي هذا، أيها الناس، والله ما الفقر أخشى عليكم، ولكني أخشى عليكم الدنيا أن تنافسوها كما تنافسها الذين من قبلكم، فتهلككم كما أهلكتهم).
ثم قال: “أيها الناس، الله الله في الصلاة، الله الله في الصلاة”، بمعنى أستحلفكم بالله العظيم أن تحافظوا على الصلاة، وظل يرددها، ثم قال: “أيها الناس، اتقوا الله في النساء، اتقوا الله في النساء، اوصيكم بالنساء خيرا”، ثم قال: “أيها الناس إن عبداً خيره الله بين الدنيا وبين ما عند الله، فاختار ما عند الله”.
فلم يفهم أحد قصده من هذه الجملة، وكان يقصد نفسه بينما سيدنا أبوبكر هو الوحيد الذي فهم هذه الجملة، فانفجر بالبكاء وعلا نحيبه، ووقف وقاطع النبي..، وقال: فديناك بآبائنا، فديناك بأمهاتنا، فديناك بأولادنا، وبأزواجنا، فديناك بأموالنا..! وأخيراً قبل نزوله من المنبر، بدأ الرسول بالدعاء للمسلمين قبل وفاته كآخر دعوات لهم، فقال: (أواكم الله، حفظكم الله، نصركم الله، ثبتكم الله، أيدكم الله).
وكانت آخر كلمة قالها كلمة موجهة إلى الأمة من على منبره قبل نزوله؛ حيث قال: “أيها الناس، أقرأوا مني السلام كل من تبعني من أمتي إلى يوم القيامة”، وحمل مرة أخرى إلى بيته، وبينما هو هناك دخل عليه عبد الرحمن بن أبي بكر وفي يده سواك، فظل النبي ينظر إلى السواك ولكنه لم يستطع أن يطلبه من شدة مرضه.
ففهمت السيدة عائشة من نظرة النبي، فأخذت السواك من عبد الرحمن ووضعته في فم النبي، فلم يستطع أن يستاك به، فأخذته من النبي وجعلت تلينه بفمها وردته للنبي مرة أخرى حتى يكون طرياً عليه، فقالت: كان آخر شيء دخل جوف النبي هو ريقي.
تقول السيدة عائشة: ثم دخلت فاطمة بنت النبي، فلما دخلت بكت، لأن النبي لم يستطع القيام، لأنه كان يقبلها بين عينيها كلما جاءت إليه، فقال النبي: “ادنو مني يا فاطمة”، فحدثها النبي في أذنها، فبكت أكثر.
فلما بكت قال لها النبي: “ادنو مني يا فاطمة”، فحدثها مرة أخرى في أذنها، فضحكت، بعد وفاته سئلت ماذا قال لك النبي؟، فقالت: قال لي في المرة الأولى: “يا فاطمة، إني ميت الليلة” فبكيت، فلما وجدني أبكي قال: “يا فاطمة، أنت أول أهلي لحاقاً بي” فضحكت.
تقول السيدة عائشة: ثم قال النبي: “أخرجوا من عندي في البيت” وقال: “ادنو مني يا عائشة”، فنام النبي على صدر زوجته، ويرفع يده للسماء، ويقول: “بل الرفيق الأعلى، بل الرفيق الأعلى”، تقول السيدة عائشة: فعرفت أنه يخير، ودخل سيدنا جبريل على النبي، وقال: يا رسول الله، ملك الموت بالباب، يستأذن أن يدخل عليك، وما استأذن على أحد من قبلك، فقال النبي: “ائذن له يا جبريل”، فدخل ملك الموت على النبي وقال: السلام عليك يا رسول الله، أرسلني الله أخيرك، بين البقاء في الدنيا وبين أن تلحق بالله، فقال النبي: “بل الرفيق الأعلى، بل الرفيق الأعلى”، ووقف ملك الموت عند رأس النبي، وقال “أيتها الروح الطيبة روح محمد بن عبد الله اخرجي إلى رضا من الله ورضوان ورب راض غير غضبان”.
تقول السيدة عائشة: فسقطت يد النبي وثقلت رأسه على صدري فعرفت أنه قد مات.
فلم أدر ما أفعل فما كان مني غير أن خرجت من حجرتي وفتحت بابي الذي يطل على الرجال في المسجد، وأقول: “مات رسول الله، مات رسول الله”.