«جيكا».. قصة الشاب الذي أشعل ثورة الغضب ضد الرئيس الإخواني
منذ مايزيد علي عامين وتحديدا في السادس من يونيو من العام 2010 رحل عن عالمنا خالد سعيد ذلك الشاب المصري الإسكندراني الذي كان في الثامن والعشرين من عمره بعد تعذيبه داخل أحد أقسام الشرطة بالمحافظة التي ينتمي إليها.. ذلك الشاب لم يكن له أي نشاط سياسي أوأحد يسمع عنه قبل ذلك التاريخ.. منذ ذلك التاريخ والأحداث تتوالي والمظاهرات تتواصل يوما بعد الآخر.. حتي كان مقتل هذا الشاب واحدا من أهم أسباب تفجير ثورة الخامس والعشرين من يناير من العام الماضي.. الأيام تتوالي والأحداث تتشابه.. منذ أيام قليلة رحل عن عالمنا محمد جابر صلاح الشهير بـ "جيكا" عضو حركة 6 إبريل وحزب الدستور والذي يرقد في مستشفي قصر العيني ينتظر لحظة النهاية بعد أن أكد الأطباء موته إكلينيكيا في انتظار لحظة توقف نبض القلب لتصعد الروح إلي بارئها وليتم الإعلان صراحة عن وفاته.. ذلك الشاب الذي لم يبلغ من العمر سوي 17 عاما كان يبحث عن حق ضائع وقصاص غائب لصديق له يدعي أسامة محمد اغتالته أياد آثمة في نفس التوقيت من العام الماضي.. نزل إلي شارع محمد محمود إحياء للذكري الأولي لأحداثه التي خلفت وراءها عشرات القتلي والمصابين وللتعبير عن غضبه من عدم القصاص لصديق عمره الذي حمله بين يديه في نفس الشارع وشاهد لحظة صعود روحه إلي السماء.. "جيكا" لم يكن يتوقع علي الإطلاق أنه سيلتقي صديق عمره في جنات الخلد بعد أن قتلته نفس الأداة التي قتلت رفيق العمر.. لكن هذه المرة القتل كان باسم الرب.. أحداث محمد محمود الأولي كانت تحت الحكم العسكري.. أما الثانية فكانت تحت الحكم الإخواني.. لافرق بين الموقعتين.. أداة القتل واحدة.. والهدف واحد تثبيت أركان الحكم.. رصاصة واحدة لاتكفي.. القتل لابد أن يكون بسبع رصاصات علي غرار الاغتسال 7 مرات إحداهن بالتراب.. لكن هذه المرة بالدم.. "جيكا" كان يشعر أنه يواجه مصيراً مجهولاً لذلك كانت رسالته التي كتبها علي موقعه الإليكتروني معبرة عما بداخله.. لذلك لم يكن بعيدا عن القتل لينضم إلي من نزل من أجلهم.. رسالته حملت في طياتها الكثير من المعاني.. بدأها بمقولة:" ده بإذن الله آخر "بوست" هكتبه لحد ما ارجع بكرة من شارع "عيون الحرية"- المسمي الذي كان يتمني هو وعشيرته إطلاقه علي شارع محمد محمود- ده إذا رجعت".. الثلات كلمات الأخيرة تؤكد أنه كان يشعر بالقدر الذي ينتظره وبالمصير المحتوم الذي كتب كلمة النهاية في حياته.. " جيكا" أكمل رسالته قائلا: أنا نازل عشان دم إخواتنا، وعشان الثورة، نازل عشان أعز صاحب ليا، اللي شيلته بإيديا وهو مقتول "أسامة محمد"، نازل عشان عيون أحمد حرارة، نازل عشان أرجع الثورة اللي راح عشانها آلاف الشهداء وعشرات الآلاف من المصابين، نازل عشان حمو طه وأحمد يوسف، أصحابي اللي راحوا في بورسعيد، نازل عشان بلدي ترجع لنا تاني".. هذه الكلمات كانت أبلغ رد علي الحكم الإخواني الذي سرق البلد بحسب تعبير شهيد "البحث عن الحقوق الضائعة".. " جيكا" أحد أشد المؤيدين للرئيس مرسي لم يكن يتوقع أن حكم المرشد سيكون أسوأ من حكم الرئيس السابق حسني مبارك.. لذلك منذ أن أدرك الحقيقة قرر المضي قدما علي نفس الاتجاه السابق ليسقط حكم المرشد كما أسقط حكم مبارك من قبله.. تأسيسه لصفحة " معا ضد الإخوان" علي موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك" لم تكن إلا نقطة البداية في هز عرش الرئيس مرسي.. لكن مقتله ربما تكون كلمة النهاية في حكم الرئيس الإخواني وعشيرته من مكتب الإرشاد خصوصا أن وصية " جيكا" لأصدقائه قبل رحيله كما حددها في رسالته:" لو مارجعتش بقي مليش غير طلب واحد هو إن الناس تكمل الثورة وتجيب حقنا، وبالنسبة لأعز أصحابي: دينا، لوقا، أيمن، خالد، عمر، موني وباقي أصحابي اللي معملتلهومش "منشن" عاوز أقولكم إن انتوا أجدع أصحاب والله، وفعلاً بحبكم.. أشهد أن لا إله إلا الله.. أشهد أن محمداً رسول الله".. النطق بالشهادة كان آخر كلمة في رسالته.. لكن يبقي علي أصدقائه الأعزاء تنفيذ وصيته وهي إكمال الثورة ورد حقه إليه .. أصدقاء " جيكا" يبدو أنهم أوفياء فمنذ نقله إلي مستشفي قصر العيني ينتظر كلمة النهاية وأصدقاؤه يفترشون الأراضي هناك، الدموع لاتفارق أعينهم وترتيل الأدعية وقراءة القرآن مسلكهم.. لعل وعسي أن يكون القدر رحيما به.. في نفس الوقت البعض من أصدقائه لم ينسوا وصيته مقررين المضي قدما في إكمال المشوار الذي بدأه " جيكا".. نصبوا الخيام في ميدان التحرير يتجولون في الشوارع المجاورة هتافات الحرية التي كان ينادي بها صديق عمرهم وهم يحملونه علي الأكتاف مازالت تراود أذهانهم صورته لاتفارق خيالهم.. عازمين علي إسقاط نظام أودي بحياة أخلص صديق لهم كما شاركوا جميعا في إسقاط نظام مستبد جثم علي صدورنا لمدة ثلاثين عاما.. الأب المكلوم الذي كان لايهتم بالسياسة هو الآخر قرر تنفيذ وصية ابنه حتي ولو لم تكن موجهة إليه .. الحزن مازال يعتصر قلبه.. لكن قرر أن تكون صرخات الألم والحزن علي الملأ.. المشاركة في المظاهرات العارمة وسيلة لتخفيف جزء قليل من الآلام التي تعتصر قلبه فموت الأبناء مثل موت النجوم المضيئة يخلع قلب السماء ويبقيها مظلمة.. الوالد المغلوب علي أمره قرر المشاركة في مليونية "الغضب والإنذار" التي انطلقت من منزل " جيكا" بمنطقة عابدين.. مرددا بحسرة يسقط يسقط حكم المرشد رافعا صورة لابنه تذكيرا للرئيس مرسي بنجله الذي قتل علي أيدي رجاله.. الأم هي الأخري مازالت تعيش في حالة ذهول مازالت تتذكر لحظة أن سلم عليها في صباح اليوم الموعود حاملا حقيبته علي ظهره علي طريقة "الرحالة".. لم تكن تعتقد أن رحلة ابنها ستكون إلي الأبد .. كانت تتوقع أن تستمر الرحلة بضع ساعات أوعلي أكثر تقدير حتي نهاية اليوم علي أن يعود لكي يخلد إلي النوم في سريره قبل أن تنال " قفشاته" جميع من في المنزل.. لكنه فضل البقاء في الميدان والمبيت لليوم التالي ليكون صباح يوم العشرين من الشهر الجاري آخر لحظات النور في حياته.. سبع رصاصات في الرأس والعنق والبطن.. كانت كفيلة بإزهاق روحه.. " مشارط" الأطباء عجزت عن تفسير حالته.. اكتفت بالصمت وانتظار لحظة النهاية.. موته ربما يكون القشة التي قصمت ظهر البعير فهاهي عشرات المنظمات الحقوقية تطالب بتحميل الرئيس مرسي المسئولية الجنائية الكاملة عن مقتل ابن منطقة عابدين صاحب الـ17 عاما .. البلاغات تنهال ضد الرئيس الإخواني وحكومته للقصاص لهذا الشاب خصوصا أن مرسي تجاهله تماما في الخطاب الذي ألقاه أمام قصر الاتحادية فضلا عن عدم اقترابه من قريب أو بعيد لأحداث محمد محمود الأخيرة وتعامله مع الأمر بتجاهل تام كما تعامل سابقه مع الأيام الأولي لأحداث ثورة يناير مما يمهد لانطلاق الثورة الثانية لإسقاط حكم الرئيس مرسي وجماعته كما نجحت الثورة الأولي في إسقاط حكم الرئيس مبارك وحاشيته.