الملف السري لثروات رهبان الأديرة

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية
أديرة ابتعدت عن الرهبنة والزهد وأنشأت كيانات اقتصادية ضخمة
مساحات بعض الأديرة كبيرة ولا تتناسب مع عدد الرهبان أو حاجتها إلى أماكن للعبادة
----------------------------------------------------------------------------------------------
علي الرغم مما عُرف عن الأديرة من أنها مكان يتجمّع فيه عدد من النساك المسيحيين الرهبان بهدف التفرّغ التام للعبادة والزهد في المأكل والمشرب إلا أن أغلبها تطور بشكل كبير وتجاوزت مهمتها كونها مجرد أماكن للعبادة والصلاة، وأصبحت كيانات اقتصادية ضخمة تدر مليارات الجنيهات الأمر الذي تسبب في انحراف كثير من الرهبان خلال الفترة الأخيرة بعدما اتخذوا من هذه الأديرة وسيلة للتربح والبزنس في مخالفة صريحة لتعاليم الرهبنة.
وكانت هذه الانحرافات سبباً رئيساً في إصدار البابا تواضروس الثاني بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية مؤخراً لقرارات حاسمة لمواجهة مخالفات الأديرة وتجاوزات الرهبان ومنها تجريد المشرفين على الأماكن التي لم توافق البطريركية على إنشائها من الرهبنة والكهنوت مع عدم السماح بأي أديرة جديدة إلا التي تقوم على إعادة إحياء أديرة قديمة، فضلاً عن تحديد عدد الرهبان فى كل دير بحسب ظروفه وإمكانياته وعدم تجاوز هذا العدد لضبط الحياة الرهبانية.
نشأة وتطور
عرفت مصر الأديرة إبان العهد القبطي وحكم الرومان، حيث لجأ البعض من الرهبان إلى أطراف الصحراء والجبال وبالقرب من السواحل لإنشاء أماكن عبادة لهم بعيداً عن ملاحقة واضطهاد الرومان لهم.
ويعتبر الأنبا أنطونيوس أول من أنشأ ديراً بمصر في القرن الثالث الميلادي سعياً إلى خلاصه هو وأتباعه من اضطهاد الرومان، وقد عرف أنطونيوس بأنه "أبو الرهبنة".
ومع مرور الوقت لم تعد الأديرة قاصرة على الدور الديني كمكان للعبادة والرهبنة والزهد في أمور الحياة، بل تعدت حدود الاكتفاء الذاتي لتلبية احتياجاتها من الغذاء والسلع إلى ممارسة أنشطة تجارية متعددة وتصدير المنتجات حتى تحولت إلى كيانات اقتصادية مستقلة بشكل لا يجعلها في حاجة إلى الدولة، وهو ما اعتبره البعض بأن الأديرة "دولة داخل دولة".
وتضم الأديرة الكبيرة عدداً من مصانع الأجبان والمخللات والعصائر ومخابز وورشاً للنجارة والحدادة وصيدلية، كما تمتلك مزارع ضخمة لزراعة كل أنواع المحاصيل والفواكه، وبداخلها أيضاً مزارع كبيرة لتربية الأبقار والطيور والخنازير لإنتاج اللحم والجبن والزيوت مثل زيت الزيتون، كما تمتلك الأديرة منشآت صحية وموارد مائية مستقلة حيث توجد بها عدة صهاريج عملاقة لمياه الشرب تكفي لتغطية حاجة أحياء بكاملها من المياه، وهي قادرة على توليد الكهرباء.
وفي السنوات الماضية تحوّلت أديرة أخرى إلى مشاريع استثمارية جذبت الأقباط لزيارتها في رحلات، بادّعاء وجود معجزات بها أو رفات لقديسين وشهداء عظماء لإدرار الدخل، سواء عن طريق النذور أو حركة البيع والشراء من الكافيتريات والمكتبات.
حيث تضم هذه الأديرة أشياء تنسب للمعجزات، فهذا شال قديس، وهذه حربة الشهيد، وهذه صورة تنزل زيت، وهذه طرحة العذراء مريم، وغيرها من الأشياء التي يتبارك بها الأقباط الأمر الذى يجعل الرحلات تنهال على الأديرة من كل صوب وحدب.
مساحات شاسعة
وتتسع مساحات بعض الأديرة بشكل لا يتناسب مع عدد الرهبان أو حاجتها إلى أماكن للعبادة، فعلى سبيل المثال تبلغ مساحة دير أبومقار بوادي النطرون نحو 2700‏ فدان وتصل مساحة دير أبوفانا بالمنيا إلى 600 فدان، فيما تعادل مساحة دير مار مينا ببرج العرب بالإسكندرية تقريباً مساحة دير أبوفانا.
ويعني ذلك، أن مساحة أكبر ثلاثة أديرة في مصر تبلغ نحو 3900 فدان أي ما يعادل 16380000 مليون متر مربع، تكفي مساحتها لـ 16 مليون و380 ألف مصل قبطي كحد أدني، و 34.9 مليون مصل قبطي كحد أقصى ،أي نحو ضعفي عدد الأقباط في مصر.
والمعروف أن دير مار مينا يضم العديد من مصانع الآيس كريم والمخللات والعصائر والصلصة، بجانب مزرعة أبقار، مزرعة أسماك، وغيرها من الأنشطة الاقتصادية المختلفة.
وبجانب الأديرة السابقة هناك عشرات الأديرة المنتشرة بالمحافظات المصرية، أبرزها أديرة سوهاج وتضم دير الأنبا شنودة الذي تبلغ مساحته 2775 متراً مربعاً، ودير الأنبا بيجول ومساحته 1000 متر ودير الأنبا شنودة الشرقي، ودير الأنبا توماس ومساحته 1000 متر، ودير الأمير تاوضروس، ودير القديسة، ودير الملاك ميخائيل الذي يضم خمسة مذابح وبها خنادق ومغارة صغيرة تحت الأرض باسم القديس العظيم الأنبا بيشوى، ودير الشهداء، ودير السيدة العذراء، ودير الأنبا بيجول، ودير مارجرجس – الحديدي، ودير الملاك.
وفي أسيوط هناك دير العذراء، المحرق، درنكة، الجنادلة، الأمير تادرس، أما أديرة المنيا، فتضم دير العذراء، جبل الطير، وفي بني سويف، هناك دير العذراء، والحمام، والعذراء، وبياض، الأنبا بولا، بوش، الأنبا انطونيوس، الميمون، مارجرجس، سيدمنت، بينما تضم أديرة الفيوم دير الأنبا إبرام، الملاك غبريال، أما أديرة البحر الأحمر فتشمل دير الأنبا بولا، الأنبا انطونيوس.
وهناك أديرة مخصصة للراهبات فقط، أبرزها ماري جرجس، وأبي سيفين بمصر القديمة، والأمير تادرس بحارة الروم، وماري جرجس زويلة، والعذراء بحارة زويلة، ودير المعلقة بمدينة مصر وغيرها من الأديرة، فضلا عن 14 أسقفية "الإيبرشيات" منتشرة في معظم محافظات الجمهورية.
وخلال السنوات الماضية وُجهت لعدد من الأديرة كثير الانتقادات بسبب هذه المساحات مثل دير الأنبا توماس بجبل شنشيف بمحافظة سوهاج الذي أنشأ على مساحة 220 فداناً، وعلي الرغم من هذه الإمكانيات والمباني والمزارع الشاسعة، إلا أنه لا يوجد به سوى 12 راهباً فقط، أي أن الراهب الواحد "يتعبّد" في أكثر من 18 فداناً.
ففي الوقت الذي أعلنت فيه لجنة الأديرة والرهبنة شروطها للاعتراف بالدير الحديث بأن يكون ذا "مساحة كبيرة"، فإنها في المقابل لم تحدد عدداً للرهبان أو الراهبات في الدير الأمر الذي تسبب في جدلا بدير الأنبا توماس.
بيزنس التبرعات والبركات
وكان المجمع المقدس قد رصد في أكثر من اجتماع بعض المخالفات والانحرافات للرهبان ومنها الأديرة التي ينشأها بعض الرهبان فى الخفاء ودون علم الكنيسة ويتم تنظيم رحلات لبسطاء الأقباط لها والحصول على تبرعاتهم وطالب المجمع وقتها الأساقفة بتوعية الشعب تجاه هؤلاء المنحرفين.
كما حذر المجمع المقدس من التعامل مع الأماكن الأخرى المماثلة لهذا الوضع وليست تحت إشراف واعتراف الكنيسة وأوصى بتنظيم توعية شعبية شاملة لهذه الأماكن غير المعترف بها كنسياً لمنع التعامل معها.
تم نسخ الرابط